بقلم: د. صبري صيدم
ليس فقط في غزة للشعب الفلسطيني حقوق، بل على طول الشريط الساحلي من رأس الناقورة إلى أم الرشراش والمسماة إسرائيلياً بإيلات، هذا هو لسان حال الفلسطيني.
فالصراع لم ينته مع الاحتلال، وها هو اليوم يريد أن يصادر ومن خلال مستوطناته، الضفة الغربية بما فيها القدس، وبذلك فإنه يرى فلسطين من البحر إلى النهر ملكية خاصة، وهو ما يقابله الفلسطيني بالرفض والاستنكار، كما يقابله بالشعور بأن حقوق الغاز لفلسطين لا تقتصر على حقلي غزة، وإنما تمتد لبقية الحقول على طول الشريط الساحلي وصولاً إلى حدود لبنان.
لذلك وقع لبنان أم لم يوقع فإن حق الفلسطيني يكفله القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية على كل الحقول الممتدة على طول الشريط الساحلي، وعليه يجب أن لا نسكت على هذا الأمر، سواءً في إطار المطالبة الدولية، أو في إطار فتح مسار قانوني يقود إلى حماية حقوقنا. فمهما كانت التوصيفات التي قد يسوقها البعض، فإن النقاش لا يمكن أن يوجه باتجاه أن إسرائيل هي من تحكم الأرض اليوم، وهو ما سيقول البعض في العالم بأنه تفسير كافٍ لإعطائها الحق في استغلال الغاز وبيعه وتحقيق العائدات المالية منه، دونما أدنى حقوق للشعب الفلسطيني، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ الغاز في جوف الأرض براً كان أم بحراً ثروة تراكمية ولدت بفعل تغيرات جيولوجية وعلمية، استنفدت ملايين السنين من الانقراض والتفاعل والتحول والترتيب الجغرافي والكيميائي، وهو بالتالي ليس وليد اللحظة، ويجب أن لا يبرر البعض بأنه مملوك للاحتلال، خاصة أنه وجد قبل الاحتلال، فإسرائيل إنما هي مصنفة أممياً بصفتها الدولة القائمة بالاحتلال وفق القانون الدولي، وأن أي ترتيبات سيادية وسياسية إنما تستند، كما يقول البعض، إلى حل الصراع وترسيم الحدود وإخطار الأمم المتحدة رسمياً بتلك الحدود لاعتمادها.
2 ـ لا حدود معرفة لإسرائيل رسمياً، إذ بينما تقوم هي بترويج الخريطة الشائعة لفلسطين مضافاً إليها الجولان السوري، تنكر على الفلسطينيين استخدام الخريطة ذاتها، بل إنها تذهب لوصمهم ومناهجهم بالتحريض، إن هم أشاروا لذات الخريطة. كما أن دولة الاحتلال، وحسب علمها تشير إلى أن حدودها وفق الخطين الأزرقين المكونين لذاك العلم وما أدرج على مبنى الكنيست، إنما يزعم وبوضوح بأن: حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، فهل هذا يعطيها حقاً بثروات مصر الأبية والعراق المكلوم؟
3 ـ لم تعتمد الأمم المتحدة أي حدود محددة لإسرائيل، رغم إقرارها لقرار التقسيم رقم 181 عام 1947، الذي عادت القيادة الفلسطينية لاعتماده مؤخراً وعلى لسان الرئيس محمود عباس، كمرجعية لأي تسوية مقبلة مع الاحتلال، عبر خطابه في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر من هذا العام، وذلك عوضاً عن حدود الرابع من حزيران/يونيو لعام 1967، وفق قراري الأمم المتحدة 242 و338.
4 ـ كما أن الرئيس الفلسطيني، أقرن مطالبة فلسطين في إسناد حل الصراع إلى قرار التقسيم 181 المذكور بالقرار 194 وهو القرار المعروف بقرار التعويض، وهو ما لا يعني وفي حال إقرار إسرائيل بتطبيق مبدأ التعويض، بأنه ينطبق على الملكية الفردية والحقوق الخاصة فحسب، وإنما يتعداه للوصول إلى كل مكونات الملكية العامة، بما فيها الثروات الطبيعية لا محالة.
وعليه فإن التعامل فلسطينياً مع ملف الغاز بكونه محصوراً في قطاع غزة، هو أمر في غاية الحساسية، يستوجب المراجعة القانونية الحثيثة وإخضاعه لنقاش معمق ومتخصص لتجنب الوقوع في أي خطأ تاريخي قد يحمل في طياته الكثير الكثير من العواقب التاريخية.