بقلم عميد / فتحي مخامرة
تعكفُ كلّ الدول على توجيه عناية خاصة للعمل الأمني لفرض الأمن واستتبابه الذي يتيح للمواطنين العيش في طمأنينة وسكينة، ومن أهم ما تقوم به الشرطة وفق فلسفتها وركيزتها الأساسية هو الحفاظ على أمن المجتمع كالسيطرة على الجريمة ومنع انتشارها، فالأمن هو شعور وهاجس قديم قِدم الإنسان ذاته، وأنّ بداية مفهوم الأمن كان مفهومًا ذاتيًا يعتمد على حماية الإنسان لنفسه من المخاطر البشرية والبيئية، كما أنّها فطرة غريزية لدى الإنسان، مصداقًا لقوله تعالى (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ). لقد اهتم الكثير من علماء النفس بدراسة دوافع السلوك الإنساني، ومن بينها دافع الأمن كما أبحروا في النفس البشرية وأسرارها، فوجدوا أن الأمن حاجة ملحة وضرورية لديه، فمثلاً، في سلم ماسلو للحاجات احتل الأمن وضرورته البشرية مرتبة متقدمة، نتيجة ذلك كان هنالك دور رقابي للمجتمع في العصور المتقدمة حسب تقدم المجتمعات كنتيجة طردية بعد ازدياد الجريمة بفصولها التراجيدية وتشعباتها المختلفة التي تنخر في عظام المجتمع، وتعجل في شيخوخته، مما تسبب له مرض العضال الذي لا يرجى شفاؤه، وهذا يقودنا للحديث عن اقتناء المركبات غير القانونية التي تندرج قانونًا تحت بند الجنح والمخالفات، ولم تصل مرتبة الجريمة؛ لكنها تبقى مشكلة تقض مضاجع الجميع سواء المستوى الأمني أم المجتمعي.
فعلى الرغم من الجهود المبذولة من قِبل الشرطة الفلسطينية للحدّ والقضاء على ظاهرة المركبات غير القانونية، والتي اصطلح على تسميتها "المركبات مشطوبة"، إلّا أن الظاهرة ما زالت قائمة مما تُشكّل عقبة أمام الشرطة في محاربتها وخصوصًا في المناطق التي لا تخضع للسيطرة الفلسطينية، فالمحزن وحسب ما تم رصده فأن بعض طلبة المدارس والتي تقع خارج السيطرة الأمنية الفلسطينية يستخدموا المركبات المشطوبة للوصول لمدارسهم كتحدي للقانون وربما الجهل به، إذًا نحن أمام تنوع في الظاهرة حيث تسربلت ثوبًا آخر من خلال الأحداث أنفسهم، مما ينذر بخطرٍ حقيقي يضع الجميع عند مسؤولياته، لا نقول أن منظومة الضبط الاجتماعي "الأسرة والمدرسة" مُغيّبة عن ما يجري؛ ولكن يجب أن يكون هنالك تظافر للجهود، فالكل مسؤول ومُطالب بمنع استفحال انتشار ظاهرة المركبات المشطوبة، والتي حملت أصلًا من مسقط رأسها شهادة وفاة منتهية الصلاحية، وهذا بحد ذاته خطر محدق لسائق المركبة وعابر السبيل في آنٍ واحد، فهنالك الآلاف من حوادث السير سجلت لدى شرطة الحوادث لأسباب تتعلق بأعطال ميكانيكية، أو سائق غير مرخص غير ملم بقوانين السير وغيره.
تعود جذور المشكلة لدواعٍ تتعلق بفقدان السيطرة الأمنية على خطوط التماس مع إسرائيل، والعراقيل التي تفرضها على السلطة الوطنية الفلسطينية خصوصًا المناطق المصنفة (ج)، وهذه المناطق هي عبارة عن مكب نفايات لإسرائيل، والهدف منها هو التخلص من المركبات الهالكة والتي لا تصلح أصلا للسير على الطرقات، ولم تخضع أصلًا للفحص الدوري قبل إجراء الترخيص، بجانب المردود المالي الذي يعود لإسرائيل بالنفع والمال الوفير، لهذا يجب أن يكون هناك حراك اجتماعي بجانب الشرطة الفلسطينية في المناطق التي تئن تحت السيطرة الإسرائيلية لتوعية المواطنين من مخاطر هذه المركبات على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلًا على أنها قنابل موقوتة تنفجر في أي لحظة، وهذا ما لمسناه منذ بداية استخدامها حتى اليوم، والتي قد أزهقت أرواح كثيرة وتسببت في عشرات الآلاف من الإصابات التي تراوحت بين خطيرة ومتوسطة وطفيفة كما تسببت أيضًا في إعاقات دائمة.
يمكن القول إن تفسير انتشار ظاهرة المركبات المشطوبة في بعض المدن والقرى الفلسطينية هو حاجة المواطن لهذه المركبات، فهي أقل تكلفة ولا تخضع للفحص الدوري وغير مسجلة في دوائر السير الفلسطينية، ومن هذا الباب يقبل المواطن الفلسطيني على اقتناء هذه المركبات لتوفير المال وتوفير الوقت والجهد، من أجل تسجيلها في إدارة الترخيص حسب القانون.
بناءً على ما تقدم فأنّ المواطن الذي يحاول ضرب القانون بعرض الحائط ويستهتر بأرواح الناس هو مسؤول أمام القانون، كما أن التاجر الذي يحضر هذه المركبات من إسرائيل هو أيضًا مسؤول، فالقاعدة الربحية الجشعة تقول كلما زاد الربح غير المتوقع لدى هذه الشريحة من التجار، زاد سلوكه غير القانوني واللاسوي على حدّ سواء، فهذا الانحراف القيمي تنقص صاحبه الضوابط الفردية كما يتمتعون بأنا ضعيفة قريبة لحد ما من الشخصية السيكوباتية، أمّا فيما يتعلق بالأحداث الذين يقوموا بقيادة المركبات المشطوبة نتيجته هو ضعف رقابة الأهل وتعرض الأحداث أنفسهم لتأثير رفاق السوء، وعدم الالتزام بمعايير المجتمع الفلسطيني بشكل عام، والذي يستنكر دائمًا هذه الظاهرة الخطيرة.
لا بد إذًا من تنامي الوعي والإدراك لدى المواطنين أفرادًا وجماعات بخطر المركبات غير القانونية، والتحصين الذاتي منها، والابتعاد عن اقتنائها والالتزام بأحكام القوانين والتنسيق الكامل مع الشرطة أولًا على صعيد المواطنين وثانيًا على صعيد المؤسسات الأهلية للحيلولة دون انتشارها ومحاربتها بكل حزم، هذا بالإضافة إلى عمل برامج توعوية وإرشادية في المدارس والجامعات لتبيان خطورة هذه المركبات كتحديات أمنية تساعد على الانحراف السلوكي لدى الأحداث، وذلك من خلال عدم الالتزام بالقانون واحترامه.