الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

سميرة عزام عروس بحر عكا

نشر بتاريخ: 12/03/2006 ( آخر تحديث: 12/03/2006 الساعة: 15:00 )
معا - بقلم : نضال حمد - اوسلو : سميرة عزام ، أديبة فلسطينية من مواليد مدينة عكا الساحلية الفلسطينية سنة 1924 ، وللأسف فهي لم تعمر طويلا ، إذا أن الموت اختطفها في ريعان الشباب ، وقبل ان تقول كلمتها الأخيرة ، خاصة كونها كانت أديبة وكاتبة تبشر بمستقبل مشع ومضيء. لا ندري إن كانت النكسة العربية في يونيو 1967 هي التي عجلت بموتها المفاجئ أم أن آثار النكبة بحلول وحضور النكسة تكفلت بتغييبها عن ساحة الإبداع الأدبي العربي عامة والفلسطيني خاصة ،حيث توفيت في حادث سير عن عمر ناهز الأربعين عاما. وقد أبنها الشهيد غسان كنفاني قائلاً "يا سميرة يا أختي ورفيقتي في المنفى والطموح والإنسان، لقد تعبت لكنك وصلت، وهذا هو سور عكا الثقيل يشهد ، ومسجد الجزار يشهد ، فهل يكفى أن نكرمك بوعود فها نحن نعدك".

عملت سميرة عزام حتى سنة 1958 في إذاعة العراق إلى أن تم إبعادها من هناك في تلك السنة. فتوجهت إلى قبرص حيث عملت في محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية البريطانية. ثم غادرت قبرص إلى لبنان. وفي ذلك الوقت اعتبرت واحدة من ثلاث كاتبات فلسطينيات اشتهرن في الخمسينات من القرن الماضي وبما أن بيروت كانت مدينة مهمة من مدن الأدب العربي فقد وجدت سميرة مكانها هناك حيث ساعدتها الظروف الأدبية البيروتية على تفجير طاقاتها الإبداعية بشكل أدبي تقني وجميل. وفي هذا المجال تقول عنها المبدعة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي :

" كانت تجربتها الأدبية مستمدّة من نظرة واقعية للحياة، ولكنها نظرة تحكمها الضوابط الأدبية، وقد أجادت في تصوير العديد من مناحي التجربة الإنسانية ، ومنها تجارب المرأة المتنوعة في الثقافة العربية، وتميّز أسلوبها بالدّقة والإيجاز والوضوح والبعد عن العاطفية المفرطة والاستعراض والابتذال. وتنبثق قصصها من الملاحظة الحذقة للسلوك الإنساني، خاصةً في المناحي الشمولية،وأحياناً، ولكن بقدر أكبر من البراعة، في تلك المناحي ذات الصبغة الفلسطينية(59). وكانت بارعة في تعليل ما يصيب أبطالها من تغير لا مناص منه - وهو ما تتميّز به القصة القصيرة الجيّدة. فقصّتها دموع للبيع مثلاً (60) تعرض معالجةً رائعة لموضوع إنساني عام ضمن إطار الشرق الأوسط. تصف في هذه القصة ردّ الفعل المتناقض الذي تبديه امرأة تمتهن النواح على الموتي، وتقتضي مهنتها أن تبكي في المآتم وتستدرّ دموع الآخرين، ولكنه تخيّب كل التّوقعات عندما لا تستطيع أن تذرف دمعة واحدة لدى موت ابنتها الوحيدة. والقصة التي تضمها هذه المجموعة بعنوان خبز الفداء هي إحدى القصص التي كتبتها عن التجربة الفلسطينية، وهي، على شاكلة العديد من قصصها الأخرى، تعبّر عن المفارقة الكامنة في المآزق الإنسانية المعقّدة إبان الاضطرابات العنيفة."*1 .

أعمال سميرة عزام التي لم يمكنها الموت من صقل موهبتها بشكل تجديدي أفضل وأقوى وامتن وأكثر براعة وخبرة واستفادة من الحياة والقراءة والمطالعة والكتابة،حيث أنها لم تعش الظروف الجديدة بعد النكسة التي تلت النكبة. إذ جاءها الموت ليختطفها باكرا. تلك الأعمال التي بقيت وهي قليلة توضح أنها كانت كاتبة قصة قصيرة متميزة فيما يخص تجربة الأنثى على الصعيد الاجتماعي،وحياة المرأة الفلسطينية وفيما يخص التجربة الفلسطينية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي. فهي بالإضافة للأديب الراحل الشهيد غسان كنفاني كانت خير من مثل القصة القصيرة الفلسطينية في تلك الفترة من الزمن الفلسطيني الصعب. وكانت كتاباتها في زمن النكبة تدل على وعيها وحسها الوطني العالي،إذ نبهت للمخاطر التي تتعرض لها فلسطين ، حيث أصبح الفلسطيني كما يظهر في أعمال الكاتبة الراحلة مسيح عصره ، المسيح الحقيقي وليس الدجال، لأنه صورة المسيح الذي تتم مطاردته وملاحقته وتشريده وطرده ومحاولات تعذيبه وصلبه وقتله من قبل أعداء الحياة .. لكنهم لم يقتلوا إيمان الفلسطيني بكل فلسطينه انما شبه لهم فهذا ما أرادت سميرة عزام وما أراد غسان كنفاني وجبرا وغيرهم من أدباء تلك المرحلة الفلسطينية تأكيده لأعداء الحياة.

حافظت سميرة عزام في أعمالها الأدبية على رسم معاناة الشعب الفلسطيني خاصة في المخيمات والشتات حيث التصقت بهموم أبناء شعبها من الفقراء والمعدمين والمسحوقين. فبدا وجود وحضور المرأة والفقر والقهر والفداء والعناء حضورا قويا في أعمالها. وقد قال المؤرخ الفلسطيني "العكاوي" بطرس دلة : " كنت تحس وأنت تقرأ قصصها الأولى، أنها تطل عليك من المخيم، فهي حملت عذابات اللاجئين الفلسطينيين فى البلدان العربية ، وزخرت بالأسى والألم والحنين للديار المهجرة، لكن قصصها المتأخرة عادت لتنبض بالحياة والأمل".

حافظت سميرة عزام على الانضباط والشكل الفني الجديد والناجح للقصة القصيرة مما جعلها تفرض وجودها وأدبها باحترام على الوسط الأدبي العربي في تلك المرحلة من زماننا العربي. وكانت الأديبة سميرة عزام تعتز اعتزازا كبيرا بانتمائها لفلسطين وبحر عكا الذي ظل يسكنها كما سور المدينة ومسجد الجزار في شتاتها اللبناني والبغدادي والقبرصي، بعدما هاجرت من فلسطين مجبرة ورغما عنها بسبب الغزو الصهيوني الاستعماري للأرض الفلسطينية.ولا يغيب عن بالنا وصف الشاعر أبو سلمى لها بقوله : " الكاتبة البارعة في الوصف الدقيق ، والمتألقة بسمو الفكرة، ووضوح اللوحات، ورشاقة الريشة، ورهافة الحس، وصاحبة القدرة الفائقة، ورمز المرأة المتحدية".

للراحلة سميرة عزام عدة مجموعات قصصية منها " أشياء صغيرة " و" الظل الكبير " و " قصص أخرى" و"الساعة والإنسان" و"العيد من النافذة الغربية" كما أن لها رواية لم تكتمل بعنوان " سيناء بلا حدود " بالإضافة لبعض القصص القصيرة التي لم يتسنى لها نشرها. وقد لفت انتباهي ما كتبته الأديبة الفلسطينية ليلى الأطرش من أن سميرة عزام : " هي رائدة القصة القصيرة ولم تأخذ حقها من النقاد... وقدمت للقصة القصيرة العربية شكلا فنيا مميزا، كما أظهرت تفوقا ملحوظا وتنوعا ثقافيا لافتا في مجموعتها أصوات الليل ... لكن النقد العربي لم يركز على هذا الارتباط بين موتها والنكسة، في حين بحث طويلا في أثر المعاناة النفسية للأدباء الرجال الذين لم يحتملوا صدمة النكسة وأثرها وانهيار الحلم العربي وفكرة القومية، فصمتوا عن القول أو انتحروا. ".

هناك أيضا من يرى أن أدب سميرة عزام كان قليلا وأنها كانت متسرعة ، لكن هذا الرأي ينقسم أيضا إلى قسمين بحسب الأديبة الفلسطينية نجمة حبيب المقيمة في استراليا، تقول نجمة في دراسة لها بعنوان سميرة عزام 1924 - 1967 ، مناضلة آلمها حزيران حتى الموت ومبدعة غفت عنها الدراسات - نشرت في موقع أدب فلسطيني لتجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين : " الحقيقة التي لا جدال فيها هي أن أدب سميرة عزام كان في مرحلته الأولى يزخر بمشاعر الألم والخيبة والمرارة ، فصور البؤس تكاد تهيمن على مجموعاتها الثلاث الاولى هيمنة شبه كاملة. والقضية الفلسطينية التي هي في جزئها الأكبر مأساة إنسانية ، يقوم بينها وبين نماذج الكاتبة القصصية قاسم مشترك هو مزيج من خيبة ويأس وألم وصراع بقاء. من ناحية أخرى نلاحظ لدى قراءتنا لأدبها، ان تغييرا في المنهج والطرح بدأ يطرأ على هذا الأدب مع بداية التغيير الذي بدأ يطرأ على حياة الفلسطيني. لقد أخذت قصصها تنبض بالتفاؤل والأمل ابتداء من أوائل الستينات مع ظهور فجر المقاومة الفلسطينية.".

شيء واحد لا بد من تذكره وعدم نسيانه هو أن مسيح سميرة عزام الفلسطيني لازال يحمل صليبه على كتفه ويمضي من كل الجهات نحو فلسطين وطنه الذي لا بديل عنه.