بقلم: د. صبري صيدم
مع نشر كلمات هذا المقال ستكون نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد حسمت في مشهد متكرر، لا بد من أن يلازم المنظومة السياسية لدولة تنفذ مشروعاً صهيونياً متكاملاً تحتاج معه لتبادل الأدوار لا محالة.
فالمطلوب حتماً أن لا يستقر المستوى السياسي الإسرائيلي حتى لا يتحمل هو أي مسؤولية قد يطلبها العالم منه، وذلك عبر الحجة المفضوحة والممجوجة، التي تزعم اضطرابه وعدم استقراره، بينما يستفرد المستوى العسكري بتطبيق المشروع الصهيوني بحجج الدفاع عن الدولة ومكافحة الإرهاب، وغيرها من الأكاذيب التبريرية التي دأب عليها الاحتلال.
ويشكل استهداف الفلسطينيين القاسم المشترك الأبشع بين أرباب السياسة وأرباب العسكر في دولة الاحتلال، فالسياسيون يبحثون عن توسيع قاعدتهم الشعبية عبر زيادة مقاعدهم في الكنيست، أما العسكريون فيطمحون إلى دخول عالم السياسة، بعدما يخلعون بزاتهم العسكرية، وبذلك تجتمع النوايا التي يقع ضحيتها الفلسطينيون برمتهم فيواجهون بطش المحتل اليوم بصدورهم العارية.
المفارقة أن من يطالب إسرائيل بما لا ترتضيه، يجابه بمقولة إن نظامها السياسي غير مستقر، وإنها لا تقوى على اتخاذ القرار، أما إذا ما تطلب الأمر مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات واقتحام المسجد الأقصى وإطلاق العنان للمستوطنين، فستجد القرار، سبحان الله، جاهزاً وفاعلاً بموجب موافقة ممهورة بتوقيع عتاة اليمين وأرباب اليسار الإسرائيلي، في تأكيد واضح على أنه لا يمين ولا يسار في إسرائيل، بل كلهم في قلب اليمين الصهيوني لا محالة.
وفي هذا الإطار أعود لاستحضر ما كتبته شخصياً في آذار/مارس من عام 2015 في مقال بعنوان: «لا يسار ولا يمين، كلهم صهاينة!» وذلك في تعليقي على أولئك المتمسكين بقناعة أن لدولة الاحتلال الإسرائيلي أحزاباً يمينية ويسارية فقلت فيه آنذاك: يجب أن يتوقف البعض منا عن تبني قناعات مغلوطة حول من ينعتون أنفسهم باليسار في إسرائيل، فهم ليسوا إلا واجهة موحدة لليمين، تتجمل بحملة قوية للعلاقات العامة التي تحاول تلميع وجه دولة الاحتلال، وإبراز ذاك اليسار المزعوم بالحمائمية وإخفاء حقيقة وقوعه في قلب اليمين.
اليوم وبعد عقود على نشأة دولة الصهاينة وما واكبها من أحداث وتطورات، وصولاً إلى السنوات الأخيرة التي قادت مؤخرا إلى تشكيل الحكومة الصهيونية الإئتلافية الأخيرة، بما شملته من أقطاب اليمين واليسار، لا بد من أن تكون القناعة لدى الجميع قد ترسخت بأن اليمين واليسار إنما هما وجهان لعملة واحدة.
ومع ذلك يبقى السؤال الأهم أمام دولة الاحتلال بعد 74 عاماً من النكبة والصراع لم تنجح إسرائيل خلالها وهي التي التهمت الجغرافيا، أن تقلص الديمغرافية حتى فاقت أعداد الفلسطينيين من البحر إلى النهر أعداد الإسرائيليين فوق الجغرافيا ذاتها، ولم تفلح في محاولاتها تحويل الفلسطينيين إلى هنود حمر على أرضهم: ماذا ستكون خياراتهم؟ خاصة أمام شعب متمنع، متمترس، متمكن لا يقبل الرحيل، ولا يتنازل عن ركام منازله وقبور أحبابه؟ ننتظر ونرى… فالأيام دول!