الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

في الطريق والفعل عمليا واستراتيجيا

نشر بتاريخ: 02/11/2022 ( آخر تحديث: 02/11/2022 الساعة: 19:18 )
في الطريق والفعل عمليا واستراتيجيا

الكاتب: تحسين يقين
هي مواسم الأرض، تلك هي استحقاقات الحياة، أحفاد وآباء وجدود، لم يكن بمقدورهم تحمّل الغزاة، وكل وعمره وما ينطلق منه، لكن ربما نحن إزاء حكمة ما هنا ربما.
وهكذا يسلمنا موسم الى آخر، نحن نسل الكنعانيين وآخرون مروا هنا أو زاروا أو غزوا وأقاموا؛ فمنذ كنا، كان الشجر، والزراعة قسيم الأبجدية لغة الإنسان هنا، في فلسطين والشام وبلاد الرافدين. ولعل الخليل المرتفعة ملتقى الموسمين الآن عنب وزيتون، ولعل نابلس هي من نظّفت بصابون زيتها غزاة الإفرنج حين ترددوا على حماماتها، لقد وعظ البحتري إيوان كسرى وشفتني القصور مما قبل عبد شمس؛ سيصعب تعداد مظاهر عراقة فلسطين التي سيصعب تجاوزها؛ فإن أصغر مظهر حضاريّ ينتصر بسهولة على عصيّ الجلادين.
في نابلس، ما هو أكبر من يرى الغازي، وهو يدرك ذلك جيدا؛ فهي المدينة ربما الأكثر عراقة في الدنيا، بعد شقيقتها أريحا، لذلك، فقد كانت حاضرة مهمة جدا في النهضة العربية المعاصرة، جنبا الى جنب مع القدس ويافا وبيروت والقاهرة.
كل وموسمه، من قرن أو يزيد، وكل بما يختاره، حتى تظل جذوة الوطن حاضرة؛ في ظل ظرف إشكالي ربما، الفريد من نوعه عالميا، الذي تتلاقى فيه أنواع الدفاع عن الذات، ومقاومة المحتل، فلا يلومن الاحتلال إلا نفسه؛ فهو يعرف إنما خرج الشباب بدون اذن الكبار، الذين يدعون لهم بالسلامة، فهم يخشون عليهم بطش الغزاة.
هو العقل والانفعال معا، في ظل جنون الاحتلال وغروره، وهنا بالذات، لعلنا نعيد الاعتبار لما نملك، ولما يجب فعله، لحماية أبناء شعبنا الذين نعيش معهم تحت الاحتلال.
نحن نعرف طريقنا؛ فأصغر طفل يدرك ذلك، وإننا معا، حتى وإن اندفع الشباب، فلا يجب أبدا أن يحدث بيننا جدل أو لوم أو تناقض أبدا.
الحكمة والمسؤولية هنا تتجلى في أروع صورها، حتى لو اختلفنا شبابا وكبارا، بل لعل مبادرة الشباب هي من تحرك ما هو ساكن من زمن، وهنا بالذات هنا، فإننا نرتقي جميعا للوطن لا لأنفسنا؛ ففي ظل مقاومة الشباب كما اختاروا هم، من حجارة وفعل مسلح، ينبغي الارتقاء بالفعل الوطني وتخليصه من الترهل، فكلنا معا كما نرى، كلنا فلسطينيون وإن اختلفنا، حتى وإن فرقتنا الأهواء والمصالح والبحث عن خلاصات فردية هنا وهناك.
نحمي، نستمر بالأساليب الدبلوماسية، ربما نصمت عن أشياء من باب الصمت الوطني الذكي، فلطالما صمت الاحتلال عن الكثير من الأمور، وجعلها مثار ضغط خفيّ علينا.
شعب عريق شجاع يناضل في ظروف صعبة، قادر على التغيير، وإعادة الاعتبار للعامل الوطني الشعبي، حتى لا تنحصر المقاومة في فئة محاصرة، بل لتتجلى بذكاء الفعل المراعي لظروف المكان والزمان، دون إملاءات.
باختصار: إن تطوير الفعل الوطني السياسي يرتبط بفعل الحكم الرشيد والصالح، ليشكل حاضنة كبرى لإبداعات الطلبة والشباب في بلادنا، في المقاومة الربحية، في الداخل والخارج عربيا ودوليا، تتيح فعلا الى الحل السياسي العادل الذي يحفظ الكرامة.
وهنا، فليس صعبا تأمل حياتنا الفلسطينية، من البيت، وحاجاته، بدءا بالأطفال، تلاميذ المدارس؛ مواطني المستقبل ومنجزي التحرر الشامل. نقول هذا الكلام، حتى نقف جميعا عند ظاهرة نضالية واحدة، في مكان وزمن محددين.
نعم، ونحن نتحدث عن مقاومة الاحتلال، فإن عقلنا الجمعي يجي فعلا ن تكون عيونه مركزة على أية أرض نقف عليها؛ فكيف سنعبر الذكاء العصري الجمعي المقاوم بأدوات تقليدية ولغة من جنسها في الخطاب؟
ستصبح فلسطين فعلا بلدا عظيما، حتى تحت الاحتلال، إن بدأنا فعلنا بتحرير العقول واللغة، باتجاه العقلانية المقاومة، لأنه يبدو أنه من السهل على الاحتلال القصف والقتل؛ ولكن سيصعب عليه جدا إن طورت المنظومة الثقافية والتربوية جيلا متحررا من ثقل اللغة وثقل الفكر.
من الضروري مثلا أن يحب الأطفال المدارس، والشباب الجامعات، والعمال والموظفون أماكن عملهم، ومن المهم جدا لشعب تحت الاحتلال، أن يشعر بالسعادة والحرية، والعدالة، حتى ينطلق الفعل الوطني عن إرادة حقيقية.
نضال الطلبة الحقيقي هو داخل أسوار المدارس، بالتعلم الفاعل لما يسعدهم، ويجعلهم منتمين للعصر والمكان. وهذا سيصعب تحقيقه تماما في ظل نفور الطلبة من المنظومة المتقادمة، والتي لن يكفيها التكنولوجيا لدخول العصرنة، بقدر ما تحتاج الى لغة جديدة، فقد هتف محمود درويش يوما "أنا لغتي"، فهل هذه هي أدوات التواصل والتفكير؟
نحتاج طفلا وفتى وشابا/ة يفكرون والابتسامة مرتسمة على وجوهم وهم وهن في طريق الذهاب والعودة الى المدارس.
ولعل الشباب، في أية دراسات سكانية، يتم التعامل معهم، في مجالات التعليم العالي والمهني والتشغيل، من قبل الحومة والقطاع الخاص، باعتبار اننا نتشارك هذا الوطن، ونستفيد من موارده.
أية حكومة، أو تجمع سياسي، مطلوب منها التخطيط للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد عمليا واستراتيجيا، من أجل ديمومة البقاء، وتقليل الشعور بالاغتراب الذي يدفع للهجرات وسط أمواج البحر.
من كان له سمع فليسمع ومن كان له بصر فليبصر، ومن كان له عقل فليفكر به جيدا، وهكذا، ولأن الأمانة الوطنية هي المنطلق، لنفكر ونشعر بعمق، مقتربين من الناس: من همومهم هم واهتماماتهم هم، وقتها تخف الفجوات.
لن تفيدنا الآن لا الغنائيات ولا المراثي ولا الهجاء، ولا زخارف اللغة المتكلفة، من الضروري البدء بالتغيير، لوأد أية فتنة نحن بأمسّ الحاجة لتنجب أي منها، حتى لو كانت بين أسرتين؛ فصعب أن نعزل حتى العنف المجتمعي عما نعيشه من فجوات وفراغ.
"في بيتنا رجل" قصة للكاتب إحسان عبد القدوس، قدمتها السينما، لعلي أقدم عنها استعادة أدبية وسينمائية، كانت فكرتها ببساطة أن أية أفعال نضالية، من المهم أن يتم تتويجها بعمل سياسي عام.
الطريق واضحة، بل واضحة جدا، هل نكرر ذلك؟ لعل ما خلص في الجزائر يصير الى فعل سياسي، يستدعي تغييرات بنيوية في الإدارة والحكم الرشيد، تحدث اختراقا اقتصاديا وتعليميا، حت نعيش بكرامة وتفكير، ونكون معا بعيدا عن أي تشظ مستقبليّ، أو تطرف مهما كان لونه.
تلك هي الطريق، ووقتها صدقوني، سيشعر الاحتلال كم هو ضعيفا بل وضعيفا جدا، أمام حركة حكم فلسطينية تنويرية، تستعيد أمجاد البدايات في القدس ويافا ونابلس، لنتخلص من أثقالنا نحن، ووقتها نقاوم من أجل البقاء برشاقة الطيور.
إننا نراها عينا وقلبا وفكرا..ونرى مستقبل أطفالنا..
تستحق فلسطين القلب والعقل والمحبة والكثير من الحنان.
[email protected]