تل ابيب- معا- ثبّتت النتائج النهائية للانتخابات العامة في إسرائيل، حصول المعسكر الموالي لرئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، ضمن اليمين الإسرائيلي العام (والأوسع نطاقاً) على 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، في حال اتجه نتنياهو لتشكيل ائتلاف حكومي يعتمد فقط على ما يعرف بـ"شركائه الطبيعيين"، وهم الحريديم (ممثلين بحزبي شاس ويهدوت هتوراة) والصهيونية الدينية (بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير)، خصوصاً بعد أن عاد مصوّتو تيار الصهيونية الدينية للتصويت بأغلبيتهم الساحقة (516793 صوتاً).
في المقابل، فشل حزب البيت اليهودي بقيادة أيليت شاكيد في تخطي نسبة الحسم، بعدما حاولت الأخيرة "وراثة" التيار إثر سقوط الحكومة السابقة وقرار نفتالي بينت اعتزال السياسة وعدم ترشيح نفسه مجدداً، لكنها لم تحصل إلا على 56793 صوتاً، بعد أن كان حزب "يمينا" بقيادتها المشتركة مع بينت قد حصل في انتخابات مارس/ آذار من العام الماضي على 273836 صوتاً.
فشل "ميرتس"
وإذا ما أخذ بالحسبان أن جلّ ما استطاع نتنياهو استعادته وتجنيده من الأصوات لحزب "الليكود" في هذه الانتخابات هو 1115049 مقابل 1066892 في انتخابات مارس/ آذار من العام الماضي، يتضح عملياً أنّ فوز معسكر نتنياهو بـ64 مقعداً هو بالأساس بفعل عدم قدرة حزب ميرتس اليساري على اجتياز نسبة الحسم الرسمية، وهي 3.25% والتي كانت تساوي في هذه الانتخابات 154820 صوتاً، مما أدى لخسارة المعسكر المناهض لنتنياهو 6 مقاعد كانت لهذا الحزب في الانتخابات الماضية.
ويمكن القول عملياً إنّ عودة نتنياهو ومعسكره إلى الحكم والوصول إلى 64 مقعداً، عدا كونها نتيجة لعودة مصوّتي حزب يمينا بقيادة بينت للتصويت لحزب سموتريتش، ناتجة أيضاً من السلوك الانتخابي لرئيس حكومة تصريف الأعمال يئير لبيد وفشله في فرض الوحدة بين حزبي العمل وميرتس، من جهة، ونشاط مؤيديه وأنصاره في "سرقة" أو "شرب"، وفق التعبير الانتخابي الإسرائيلي، أصوات مؤيدي حزبي العمل وميرتس. وفَقَد هذان الحزبان أكثر من 150 ألف صوت في هذه الانتخابات، فيما زاد عدد الأصوات التي حصل عليها حزب يئير لبيد "ييش عتيد" بنحو 230 ألف صوت، قسم منها أيضاً جاء على حساب تحالف بني غانتس مع غدعون ساعر.
تكليف نتنياهو خلال أسبوعين
بعد نشر النتائج النهائية للانتخابات، فإنّ القانون الإسرائيلي ينص على إعلانها رسمياً خلال ثمانية أيام من يوم الانتخابات. ويُنتظر أن تعلن لجنة الانتخابات هذه النتائج بشكل رسمي، وأن تسلّمها إلى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، يوم الأربعاء المقبل.
بعد تسليم النتائج لهرتسوغ، يعقد الكنيست المنتخب جلسته الأولى لحلف اليمين القانوني لنوابه، خلال أسبوعين من موعد الانتخابات، أي يوم 15 من الشهر الحالي، على أن يكون رئيس الدولة قد بدأ مشاوراته مع رؤساء كتل الأحزاب التي نجحت في اجتياز نسبة الحسم لاختيار عضو الكنيست الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة، على أن يكون هذا العضو قد حصل على توصية 61 عضو كنيست على الأقل لتكليفه بهذه المهمة.
وسيكون على هرتسوغ اختيار العضو المكلف بتشكيل الحكومة المقبلة حتى موعد أقصاه 16 من الشهر الحالي، إلا أنه من المحتمل في ظل النتائج الحالية أن يتم تكليف نتنياهو بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة قبل ذلك الوقت، بفعل الحسم الذي تمخضت عنه هذه الانتخابات.
ومع تكليف نتنياهو بمهمة تشكيل الحكومة، يحصل على مهلة رسمية أولى هي 28 يوماً من يوم التكليف، مع إمكانية تمديدها 14 يوماً إضافياً، في حال واجهته مصاعب في تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد. لكن وفقاً لما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية، فمن المرجح أن يتمكن نتنياهو من الوصول إلى اتفاقية ائتلاف حكومي مع شركائه التقليديين، خلال الفترة الأولى المحددة له. ولا يبدو أنّ أياً من شركاء نتنياهو مستعد للمجازفة بوضع شروط تعجيزية، قد تدفع نتنياهو، ربما لمحاولة التوجه إلى حزب بني غانتس، مثلاً، لضمه إلى الحكومة المقبلة، على الرغم من أن الأخير أعلن أنه ليس مستعداً للمشاركة في حكومة يتزعمها نتنياهو.
وعلى الرغم من أنّ زعيم حزب "عوتصماه يهدويت"، إيتمار بن غفير، أعلن خلال المعركة الانتخابية أنه سيطالب بحقيبة الأمن الداخلي، فإنه من المستبعد أن يسارع نتنياهو للتنازل عن هذه الحقيبة الوزارية، خصوصاً أنه تلقى أخيراً رسائل من جهات أميركية مختلفة، تعارض حتى مجرد مشاركة بن غفير في الحكومة المقبلة.
مع ذلك، يبدو أنّ نتنياهو لن يتنازل عن الشراكة في الحكومة مع "عوتصماه يهوديت" الذي يقوده بن غفير، ولو في المرحلة الأولى من المفاوضات، إلا أنه سيحاول الامتناع عن تسليمه حقيبة حساسة، خصوصاً في ظل المواقف الفاشية المعلنة لبن غفير، سواء تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، أم الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويمارسون حق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات وفي الكنيست، ويمثلهم بعد هذه الانتخابات 10 نواب من أصل 120 نائباً.