المنامة-معا- أحيت سفارة دولة فلسطين لدى مملكة البحرين، مساء اليوم الخميس، في مقرها في العاصمة المنامة، الذكرى الـ18 لاستشهاد الزعيم الخالد، الرئيس ياسر عرفات، بفعالية خطابية حاشدة تضمنت عرض فيلم وثائقي من وحي المناسبة، ومعرض صور يتناول المحطات النضالية الثورية للزعيم الراحل ويوثق بصور تعرض لاول مرة لزيارات ولقاءات الشهيد "ابو عمار" مع القيادة البحرينية الشقيقة، وقادة المنطقة والعالم.
وذلك بحضور ممثلة عن وزارة الخارجية البحرينية، رئيسة مكتب شؤون الأردن وفلسطين في قطاع الشؤون العربية بالوزارة، راوية محمد حسن، والسفراء العرب، وعدد من سفراء الدول الصديقة، وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين، وشخصيات رسمية بحرينية وعربية، واعضاء من مجلسي النواب والشورى، ورؤساء مجالس، وشخصيات اعتبارية وعدد من أبناء الجالية الفلسطينية.
وفي كلمة المناسبة الرئيسية اكد سفير دولة فلسطين لدى مملكة البحرين خالد عارف: أن تشرين ثاني هو شهرٌ له وقع خاص في التاريخِ الفلسطيني فهوَ الشهرُ الذي صدرَ فيه وعد بلفور المشؤوم، وشهرُ رحيلِ القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات، وهوَ شهرُ اعلان الاستقلال والدولة، وصدورِ قرارِ التقسيم رقم ١٨١، وشهر يومِ التضامنِ العالمي مع الحقوقِ الوطنيةِ الثابتة للشعبِ الفلسطيني ، ومرت أيضاً ذكرى رحيلِ القائدِ الدكتور صائب عريقات الذي منحهُ الرئيس محمود عباس بالأمسِ وسامَ نجمةِ الشرف من الدرجةِ العليا.
واستذكر السفير عارف المحطات النضالية في حياة الزعيم الراحل قائلا: كانَ "أبو عمار" في مطلعِ شبابهِ مقاتلاً في جيشِ الجهادِ المقدس بقيادةِ عبد القادر الحسيني، ثم طالباً في كليةِ الهندسة في جامعةِ القاهرة ومؤسِساً لرابطةِ طلبةِ فلسطين في الجامعاتِ المصرية، ومقاتلاً متطوعاً ضدَ قواتِ الاحتلال البريطاني في قناةِ السويس لحركةِ فتح في نهايةِ عام 1957، ثمَ مشاركاً قوياً مع إخوتهِ الفتحاويين في انطلاقِ الثورةِ الفلسطينيةِ المعاصرة مطلع عام 1965 ليكونَ بذلك رمزاً كبيراً من رموزِ حركاتِ التحرير الوطني في ذلكَ الوقت، ونموذجاً مميزاً في حربِ الاستنزاف التي أعقبت هزيمة عام 1967، وأولَ من صعدَ بفلسطين ناطقاً باسمها من فوقِ منصةِ الأممِ المتحدة في عام 1974 حاملاً غُصنَ الزيتونِ وبندقيةَ الثائر، وصولاً إلى إقامةِ أول سلطةٍ وطنيةٍ على أرضِ فلسطين في عقودِ ما بعدَ النكبة، كخطوةٍ أولى، وقاعدةٍ ماديةٍ ملموسةٍ لقيامةِ دولةِ فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
وأضاف: كانَ يحلُم وكنا نصدقُه، كنا نعرفُ أنَ الطريقَ وعرةٌ وأن المسيرةَ شاقةٌ وأن العدوَ جبارٌ وقدراته مهولة ، وكانت حلكةُ الليلِ شديدةً لكنه كانَ يقولُ لنا إننا سنصلُ وكنّا نصدقُه ، يرسمُ لنا عالمَ الغد حين تتحرر فلسطين وكنا نُصدقُه، لم يتسلل إلينا شكٌ لو لدقيقةٍ أو لحظةٍ حتى في أشدِ الأوقاتِ صعوبةً في أنهُ يقولُ الحقيقة .
وقال: نحيي اليومَ ذكرى الشهيدِ القائد أبو عمار بمشاعرٍ مختلطةٍ من الحزنِ والأسى والاعتزاز والافتخار بمواقفهِ ونضالاتهِ وصمودهِ الأسطوري، جعلَ فلسطين أكبر من القاراتِ الخمس، حولَ اللاجئين إلى فدائيين، وحوّل خيمَ اللجوءِ والتشردِ لمدارسٍ، والمخيمات جعلها قواعداً للكفاحِ وصناعةِ الحياة، فصارَ شعبنا الصغير الرقم الأصعب في الأمم، وصارت بلدنا الصغيرة فلسطين مفتاحَ السلام والحرب في العالم، منوهاً أن "أبو عمار" لم يكن قائداً وزعيماً ورئيساً لشعبهِ بقدرِ ما كان الأب الحنون لهم، فالأعباءُ الثقيلةُ على كاهلهِ لم تمنعهُ من متابعةِ التفاصيلِ الدقيقةِ للكثيرِ من أبناءِ شعبه، ولم يدخر يوماً ما وسعاً في معالجةِ ومتابعةِ قضاياهم، كانَ يقبلُ قدمَ الجريحِ ويحضنُ ابن الشهيد ويواسي زوجةَ الأسير.
واستدرك السفير عارف أن ياسر عرفات، في سفرهِ المتواصل جابَ الكرةَ الأرضية أربعَ مراتٍ، قطعَ خلالها مئاتَ الآلافِ منَ الكيلومترات، لم يترك دولةً كبيرة كانت أم صغيرة إلا وحطَ رحالهُ فيها، نسجَ من خلالها علاقاتٍ واسعةٍ مع قادةِ وشعوبِ هذا العالم، كانَ أبو عمار يدركُ أن عليه أولاً أن يغير نظرةَ العالم إلى القضيةِ الفلسطينية، من قضيةٍ إنسانيةٍ تتعلقُ باللاجئين ومتطلباتِ معيشتهم، إلى قضيةِ أرضٍ وشعبٍ وهوية.
وأضاف: إننا في ذكرى ياسر عرفات، نشعرُ بالفخرِ والاعتزازِ لأن من حملَ الأمانة بعده، هو قائداً عنيداً وشرساً من نفسِ المدرسة، من جيلِ الذاكرة، من أبناءِ التجربة، من حملةِ السر، ومن أهلِ الوفاءِ العظيم، فحينَ فاجأنا رحيلُ ياسر عرفات، وجدنا القائدَ المؤهلَ الذي يعرفُ وعوراتِ الطريق، ويعرفُ ثِقلَ الحمل، ويعرفُ أنهُ لا شيءَ يأتي إلا بجهدٍ خارقٍ، وها هو الرئيس "أبو مازن" يصعدُ بنا إلى قمةِ الجبل، جبل الحضورِ والاعتراف والحق والكينونة الفلسطينية، لا تختلط لديهِ الرؤية ولا تضعف له إرادة، ولا تلين له همة.
وتطرق السفير الفلسطيني للعلاقة المتميزة التي كانت تربط الراحل ياسر عرفات بمملكة البحرين وقيادتها الشقيقة، قائلاً: للتاريخ أذكر هنا أنه كانَ للزعيمِ أبو عمار قصةَ حبٍ مع البحرين الشقيقة التي كانت تحيطه بالرعاية والعناية الأخوية الصادقة، حيث كان يزورُها دائماً ويلتقي قادتها وعلى رأسِهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وكانَ "ابو عمار" يقولُ لإخوانهِ في القيادةِ الفلسطينيةِ أنه عندما تضيقُ بهِ الدنيا يأتي إلى البحرين ينهي لقاءاتِه فيها بيومين ويبقى فيها يومين إضافيين ليختلي بنفسهِ مع أخيه سمو الشيخ عيسى رحمه الله فيشعر ُبعدها بالراحةِ النفسية والنشاطِ الخارق، منوها أن هذه العلاقة الأخوية والحميمية استمرت ما بين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة و سيادة الرئيس محمود عباس.
وتوجه السفير عارف بالتحية والتقدير إلى مملكة البحرين مليكاً وحكومة وشعباً، وإلى الحضور الرسمي والدبلوماسي والشعبي الذي يحيي معنا اليوم الذكرى الـ18 لاستشهاد الرمز الراحل.