بقلم: د. صبري صيدم
شاء من شاء وأبى من أبى ستنطلق مباريات كأس العالم، بعد أن طال قطر ما طالها من مد وجزر، وبعدما ملأت الدنيا وشغلت الناس بتحضيرها لكأس العالم.
ومع هذه الانطلاقة ستنطلق أكبر حملة سياسية عالمية، بعد أن قررت الفيفا عن سبق إصرار وترصد أن تسيس كرة القدم وبشكل رسمي وواضح، دونما أن تعتذر لكل أولئك الفقراء والمنكوبين ممن قرروا أن يعبّروا عن جراح أمتهم المنكوبة فرفعوا علماً هنا وصورة هناك، أو كشفوا عن قمصانهم وما حملته من عناوين لدول ومدن ترزح تحت حمم الظلم والنار وجور الكاسرين الطغاة.
ولو اختار المنظمون أن يبقوا الحدث الكروي في إطاره الحمائمي، فإن عجلة التسييس قد دارت لا محالة ليس بقرار قطري، وإنما بقرار الفيفا التي أطلقت العنان لكل أشكال الدعم لأوكرانيا ونسائها وأطفالها وأرضها وشعبها، أوكرانيا دون غيرها، وهو ما عكس ازدواجية المواقف وانتقائية العواطف.
وإن كنا نكره كل أنواع الحروب، ولا نرتضي أن نرى أحداً يموت، فإننا نعتب على المؤسسة الأممية التي نكلت سابقاً بأصحاب المواقف من اللاعبين والفرق، لتعود وتبرز قضية ما على حساب مجمل قضايا أخرى في عالمنا العربي والعالم بأسره، أي في العراق وسوريا وغيرهما الكثير، وصولاً إلى فلسطين درة القضايا وأطولها ظلماً وتعقيداً. لذا فإن العلم الفلسطيني مقبل على أذرع قادة الفرق وقمصانهم وجباههم وحتماً في قلوبهم.
أما جمهور المشجعين العرب وأصدقاؤهم، فحدث ولا حرج، ليس مناصرة لفلسطين فحسب، وإنما احتجاجاً على واقع قالت فيه الفيفا سابقاً لا لفلسطين، بينما تقول اليوم نعم لأوكرانيا وأوكرانيا فقط. ستأتي فلسطين في القلوب والعيون مرفوعة على الجباه لتكون الحناجر أكثر إصراراً وجرأة في نصرة القضية الأكبر، وتشجيع أهلها وربعها ونصرة فرسانها الثابتين المرابطين. سيأتي العالم ليرى قادة الفرق وقد اتشحت أذرعهم بعلم فلسطين وطرزت مدرجات ملاعبهم بالكوفية، وكل ما يشير للوطن السليب.
كأس العالم لن يكون إلا استفتاءً على قدرات الشعوب على رفض الظلم والانتصار للحق مهما اشتدت عزائم المطبعين مع الاحتلال الأطول في التاريخ المعاصر. وستكون الدوحة على موعد متجدد لإثبات الذات، وإفحام كل من حاول الحط من قدراتها، واعتقد أن العرب والأهل في الخليج ما هم إلا رعاة للإبل يعتمرون كوفيتهم ويعتلون كثبان الرمل. سيعرف العالم وشعوبه كيف تحولت الكثبان إلى مصانع من الذهب، وأثبت إرادة التميز العربية قدرتها على الحضور والتميّز والإبداع.
قد نعتب على الدوحة في محطات ومحطات، لكننا لا نستطيع إلا أن نقف معها في امتحانها المهم أمام العالم، لتنجح وتتألق وتتميّز. سنقف معها كما وقفت مع القضية الفلسطينية ذات يوم، واحتضنت آلاف المهنيين من أبناء شعبنا الذين علموا قياداتها وساهموا في رفعتها وتقدمها، فنحن لا ننسى الماضي ولا ننكر الجميل.
ورغم استمرار مساعي الكثيرين للحط من هذا التألق العربي، إلا أن أصواتهم ستخبو لا محالة مع انطلاق صافرة الحكم في المباراة الأولى، وستنطفئ لا محالة مع الانبهار الذي سيمتد من المطار إلى الأنوار وما تحتها من بنى تحتية وقدرات إنشائية مذهلة ومحطات تاريخية لن تنسى.
كأس العالم بتفاصيله وتحدياته ومجرياته وجماهيره ومبارياته ومشجعيه وداعميه ومؤازريه وما بينهم من قضايا عادلة سينتصرون لها، لا ولن يكون كما سابقيه! ننتظر ونرى!