رام الله- معا- عقدت الحملة الأكاديمية الأردنية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني يوم السبت، ندوة خاصة عبر تقنية زووم، تحت عنوان "الأسرى في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي والتضامن معهم".
وتحدث عبد الله زغاري، نائب رئيس نادي الأسير الفلسطيني، عن الانتهاكات الممنهجة بحق الأسرى، وأن الاحتلال يتعامل معهم على أنهم رهائن، ويمارس بحقهم مختلف أصناف القهر والظلم والاضطهاد والتعذيب في محاولة لامتهان كرامتهم، وعن احتجاز الاحتلال لجثامين الشهداء الأسرى داخل مقابر الأرقام وثلاجات الموتى، وبالنسبة للأسيرات، قال إنّ المحتل لا يدرك خصوصية المرأة الفلسطينية الأسيرة ويقوم بانتهاكها.
كما تحدث عن قضية الأسرى المرضى وسياسة الإهمال والقتل الطبي التي تمارس بحقهم، مبيناً أنّ القانون الدولي ينص على أن يتم إجراء فحوصات دورية للمعتقلين منذ لحظة اعتقالهم، ولكن هذا لا يحدث.
وشدّد على أنّ قضية الأسرى هي قضية قانونية وسياسية بالإضافة إلى أنها إنسانية، وأنها قضية كل الشعب الفلسطيني وأحرار العالم. وأفاد بأنّ المعاناة تبدأ منذ لحظة الاعتقال، مروراً بالتحقيق والمحاكم العسكرية الظالمة، وفقدان الأسرى لآبائهم وأمهاتهم وهم في الأسر، دون السماح لهم بإلقاء نظرة الوداع عليهم.
وتحدث عن الحبس المنزلي للشبان والأطفال في القدس، وعن الاعتقال الإداري، وقال إنه جريمة بحق الإنسانية، كما ذكر ارتفاع عمليات الاعتقال اليومي بحق الشبان الفلسطينيين في ظل صمت عربي ودولي، مضيفاً أنّ الاحتلال يمارس سياساته الممنهجة بحق الأسرى وبحق الشعب الفلسطيني لأنه لا يجد هناك رادع.
أما عن دور نادي الأسير، قال إنه يقوم بالمتابعة اليومية لقضايا الأسرى منذ لحظة اعتقالهم، مروراً بالمحاكم والتواصل مع عائلاتهم. وقال إنّ القضية كبيرة وتحتاج الى جهود من مختلف الجهات.
وطالب أن يكون هناك تعاون كبير على المستوى القانوني من أجل إيصال هذه الجرائم الى المحافل الدولية، وشدّد على ضرورة أنسنة قضية كل أسير، وضرورة أن يعمل المسؤولون والرؤساء ووزارات الخارجية المختلفة على قضية الأسرى سياسياً. واختتم كلامه بأنّ كل ذلك لا يثني شعبنا عن الصمود وعن الإيمان بعدالة القضية وحتمية الانتصار، وأنّ الصمود هو سيد الموقف رغم كل ما يمارس بحق شعبنا الفلسطيني من ظلم ومن قهر واضطهاد.
أمّا د. إبراهيم بدران، المستشار السابق لرئيس جامعة فيلادلفيا للعلاقات الدولية والمراكز العلمية، فقد تناول دور الإعلام في قضية الأسير الفلسطيني، وقال إنه لا بد أن ينظر الإعلام إلى قضيتهم بعمق ومن جوانب متعدّدة، حيث لا ينتهي الأمر بالإعلان عن الأسر، بل أنّ هناك نتائج وتبعات تنعكس على أطفالهم وعائلاتهم وأحبائهم الذين يتعرضون للمعاناة الإنسانية والاقتصادية والصحية، كما أنّ هناك قصص يومية حول الأسرى، وجب على الإعلام أن يكشفها ويعرضها للآخرين ويظهرها في جانبها الإنساني والقانوني والسياسي، ليعرف العالم أنّ الأسرى ليسوا مجرد أعداد، وليتفاعل المجتمع الدولي مع قضيتهم. وأضاف أنّ الحركة الصهيونية تضخم الاضطهاد الذي تعرض له اليهود عشرات المرات، وتختلق القصص والأفلام، أما فيما يخص الأسرى الفلسطينيين، فالأمر واقع وتسجيله يتم في كل لحظة.
وقال د. بدران إنّ على الإعلام أن يستعين بالمثقفين والكتاب والمفكرين ليكشفوا المسلسل الذي يلحق بعملية الأسر والاعتقال ولأنسنة قضيتهم، وإنّ الإعلام الذكي والمتفاعل مع الخبراء والقانونيين والمثقفين هو الذي يظهر التفاصيل ومعانيها ضمن إطار القانون الدولي، لتظهر صورة الاحتلال على حقيقتها ويظهر نضال الشعب الفلسطيني على حقيقته.
وقال إنّ الإعلام الفلسطيني والعربي والدولي بحاجة إلى إعادة القراءة في موضوع الأسرى ومعاناتهم حتى يكشف جوانب أخرى لا تظهر عادة بالأخبار، كتفاصيل حياتهم اليومية في الأسر والأجواء الداخلية في السجون وتفاصبل ما يمارسه الاحتلال ضد الأسرى من تعذيب وترهيب وإذلال، كما يجب على الإعلام أن يظهرها باللغة العربية واللغات الأجنبية حتى يتنبه العالم بأنّ الاحتلال الإسرائيلي هو أبشع استعمار عرفه القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لأنّ فيه محاولة لإبادة الذات الإنسانية والثقافية للشعب الفلسطيني.
كما اقترح د. إبراهيم ضرورة وضع دليل إعلامي جديد يسير بموجبه الإعلاميون، لمتابعة قضايا تعكس معاناة الأسرى وأطفالهم وعائلاتهم وأحبائهم الإنسانية بحيث توضع في إطار القانون الدولي.
ثم تحدث المحامي عمر زين من لبنان وقال إنّ علينا الانتقال من مرحلة التوصيف للواقع المأساوي الذي يعيشه الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال وآهاليهم منذ عشرات السنين والذي يشكل جرائم ضد الإنسانية وعنصرية ناجزة، إلى مرحلة العمل الجاد والتنسيق العام والخروج من النشاطات الفردية للأشخاص والمنظمات المعنية، وحدّد عدة أهداف منها: تدويل قضية الأسرى، تحقيق حريتهم، ملاحقة العدو الصهيوني بجرائمه بجميع الوسائل المتاحة، إلزام الاحتلال بوقف جرائمه ضد الإنسانية والعنصرية وجرائم الحرب.
وقال إنّ هذا لا يمكن إلّا أن يتم بقرار أممي من الجمعية العامة للأمم المتحدة عملاً بالفصل السابع، والحصول على ضمان دولي لحقوق الأسرى والمعتقلين لحين إطلاق سراحهم، وإلغاء الاعتقال الإداري وما يتعلق به من تكرار وتمديد.
كما أوضح المحامي زين الوسائل الواجب اتباعها لتحقيق الأهداف من اعتصامات دورية وحملات إعلامية ودراسات وبحوث حقوقية، والتركيز على عنصرية الكيان الصهيوني دولياً، وعقد محاكمات رسمية وشعبية بشأن الأسرى في الدول التي يمكن إقامة هذا النوع من المحاكمات فيها.
ولتجهيز الوسائل المذكورة للتنفيذ، اقترح المحامي زين تشكيل منسقية عامة للأسرى وأهاليهم في فلسطين، ومنسقية عامة للأسرى وأهاليهم على المستوى العربي، وتنسيقية ثالثة على المستوى العالمي، وبيّن الأمور التي يجب أنّ تهتم بها تلك المنسقيات وآلياتها، من اهتمام بتكوين الملفات حول الأسرى، والاهتمام الحقوقي والإعلامي والسياسي على المستوى العربي والإقليمي والدولي وغيرها.
وقال المحامي زين إنّ ما سبق قد ذكره بملتقيات كثيرة عقدت لنصرة الأسرى والمعتقلين، ولكن للأسف لم تتناولها القوى الحيّة للأمة للعمل بموجبها.
وذكر أنّ المؤتمر العربي العام، الذي هو أحد أعضائه، والمكون من المؤتمر القومي العربي، والمؤتمر القومي الإسلامي، ومؤتمر الأحزاب العربية، ومؤسسة القدس الدولية، والتيار التقدمي اليساري والمنظمات الفلسطينية، قد بدأت خطوة مهمة لإنشاء منسقية لمتابعة قضية الأسرى والعمل لمقاومة التطبيع.
أمّا د. عماد الداوود، أستاذ السياسات العامة في كلية العلوم السياسية في جامعة النهرين في العراق، فقد تحدث عن أهمية المساعدات القانونية في دعم الأسرى، شارحاً معاناة العراقيين من قبل الاحتلال الأمريكي الذي لا يختلف كثيراً عن الاحتلال الإسرائيلي، وعن ظهور عدد من المشكلات في العراق عقب الاحتلال منها مشكلة المخبر السري والاعتقال التعسفي وغيرها من أشكال الاعتقالات. وأكّد على أهمية المساعدات القانونية بالنسبة للأسرى، والتي أقرتها عدة اتفاقيات دولية منها: إتفاقية لاهاي عام 1907، ولائحة الحرب البرية، واتفاقية جنيف الثالثة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيرها، وجميعها تعطي الحق للأسرى بالمساعدة القانونية. وقال إنّ المساعدات القانونية للأسرى في فلسطين، تقدم من قبل بعض منظمات المجتمع المدني، وإنه يجب أن يترافق تقديمها للأسير مع مرشد نفسي أو باحث اجتماعي وتوفير الرعاية الطبية له والسلة الغذائية إلى عائلته. كما تحدث عن برنامج مؤسسة الضمير في تقديم المساعدات القانونية للأسرى في فلسطين، حيث تم إنشاء وحدة للتوثيق والدراسات، ما يعزز المساءلة الدولية لسلطة الاحتلال، وكذلك وحدة دولية للضغط والمناصرة. وأضاف أنه يجب أن يكون هناك إيمان بالعمل التطوعي في تقديم المساعدات القانونية بشكل رصين وشكل جيد، وأنه على الدول أن تقدم تمويل من أموال الضرائب لهكذا مشاريع.
وأنهى د. عماد حديثه بضرورة تطوير البرامج الخاصة بالمساعدات القانونية والاهتمام من قبل المنظمات العربية والإقليمية والجامعة العربية والدول والضغط بهذا الأمر، على أن تمول هذه المشاريع عربياً، كإنشاء صندوق عربي لتمويل المساعدة القانونية والدفاع عن الأسرى.
وتحدث الأسير المحرر د. أحمد شديد عن الساعات الأولى من اعتقاله، حيث أسر بعد أصابته في الدبوية في الخليل عام 1994، ونقل الى مستشفى عالية الحكومي الذي اقتحمته سلطات الاحتلال، ثم نقل إلى منطقة قيادة جيش الاحتلال في الخليل، حيث بدأت رحلة المعاناة والتعذيب، وبعدها نقل الى مستشفى هداسا حيث بدأت مرحلة جديدة من العذاب قبل أن ينقل إلى المسكوبية وبعد ساعات الى زنازين سجن الخليل. وقال إنّ الأسر لا يثني من عزيمة الشعب الفلسطيني، حيث أكمل تعليمه بعدما تحرر حتى نال الدكتوراه.
واختتم أ. د محمد مصالحه، الأمين العام للحملة الأكاديمية الأردنية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، الندوة بقوله إنّ قضية الأسرى لم تعط الاهتمام الواجب، إن كان على مستوى عربي أو على مستوى دولي، وإنّ الفلسطينيون يجهدون كبقية القضايا الأخرى أن يعطوها ما يستطيعون، لكنها أكبر من جهد فلسطيني لوحده، بل هي بحاجة الى جهد عربي مشترك، وأننا في الحملة الأردنية اليوم نلقي الضوء على هذه القضية، لننقلها إلى المجتمع الأردني على مستوى الفرد وعلى مستوى المنظمات أو على مستوى السلطات الرسمية.
وقال إنّ هناك أكثر من 60 نوع من التعذيب الذي تتفنن سلطات الاحتلال بممارسته، وإنّ الشباب الفلسطيني يستمر في المقاومة بعد فك أسره، وإنّ هذا حقه، حيث المعادلة واضحه، إما أن ينتهي الاحتلال وبالتالي يتوقف موضوع الأسر ولا أحد يقاوم، أو يبقى الاحتلال وتبقى دوامة الأسر والإجراءات القمعية التي تقوم بها.
وقال "إننا في الأردن نريد أن نشجع المجتمع المدني هنا للاهتمام بقضية الأسرى".