بيت لحم -معا- تقرير زينب حمارشة- صُنف العام 2022 بالأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة "الضفة الغربية"، حيث بلغ عدد الذين ارتقوا هذا العام حتى تاريخ الثاني والعشرين من ديسمبر مئتين وأربعة وعشرين شهيدًا، جاء ذلك على إثر موجة قتل واسعة شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ليسجل هذا العام عودة قوية للعمليات المسلحة والاقتحامات المتكررة لمدن الضفة الغربية، كان لمدينتي نابلس وجنين النصيب الأكبر منها.
وفق التحليلات السياسية يقول البعض أن السبب الرئيس لتفاقم الوضع في الضفة الغربية هو أن تنامي اليأس والغضب والتوتر في صفوف الفلسطينيين نتيجة لممارسات الاحتلال الاسرائيلي أدى إلى زيادة نشاط بعض المجموعات المقاومة والتي على ما يبدو يصعب احتوائها من الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ما أدى إلى ارتفاع عدد كبير من الشهداء في صفوف الفلسطينيين نتيجة الاشتباكات المتكررة بين الجانبين.
في العشرين من أيلول صدر أول بيان لمجموعات عرين الأسود في نابلس عقب اغتيال مجموعة من ناشطيها كرد على جرائم الاحتلال ومستوطنيه بحق الفلسطينيين وأراضيهم وممتلكاتهم التي تتعرض للاعتداء بشكل شه يومي، وقد لاقت رواجًا شعبيًا من أبناء الشعب الذين أيدوا أفعال المقاومين وامتثلوا لأوامر هذه المجموعة عشرات المرات بالتأييد وتأدية التحية لهم بالتصفيق عبر سطوح المنازل وتمجيدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي والالتزام بالإضراب العام حيال صدور أي بيان من عرين الأسود يطلب ذلك.
أما السلطة الفلسطينية والتي اعتبرت هذه المجموعات تطور جديد في المشهد السياسي في الضفة الغربية والتي غابت عنها المظاهر المسلحة منذ أن أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حزيران عام 2007 مرسومًا بحظر كافة أشكال الكفاح المسلح، فكانت قد نجحت في إقناع بعضٍ من عناصر العرين بترك العمل المسلح فيما رفضت بعض القيادات تسليم سلاحها وأصرت على استمرار القتال، وقد ظهر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد شتية في مخيم جنين وألقى هناك خطابًا لدعم عوائل الشهداء والأسرى، وكانت مجموعة عرين الأسود قد أعلنت عبر قناتها على تلغرام والتي يتابعها حوالي ربع مليون مشترك أنها لم تطلب من أي جهة فلسطينية رسمية أو أمنية أن تتسلم أيًا من مقاتليها وأوضحت أن من قام بتسليم نفسه هذا خياره بشكل فردي ووجب أن يُحترم عليه.
في ذات الوقت كان الرئيس الفلسطيني قد صرح في مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا "سيكا" الذي انعقد في كازاخستان أنهم لن يبقوا الوحيدين الملتزمين في الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي وسيراجعون العلاقة معها ووفق محللون سياسيون أن تصريح الرئيس الفلسطيني فيه إشارة لعدم التزام إسرائيل لأيٍ من الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني
من جانب تقييمه، فقد أعلن المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، أن التدهور الحاد في الضفة الغربية والوضع الحالي المتقلب ينبع من عقود من العنف الذي أثر على الفلسطينيين والإسرائيليين نتيجة الغياب المطول للمفاوضات والفشل في حل القضايا الرئيسية التي تؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
أما في الساحة الفلسطينية فقد تعالت وتنوعت الأصوات حول نمط الكفاح والمقاومة التي ظهرت من جديد بمجموعات لا تتبع لفصيل محدد إنما هي خليط من عناصر الجهاد الإسلامي وحماس وكتائب شهداء الأقصى، النائب الفلسطيني حسن خريشة يقول أن زيادة المقاومة على الأرض ستزيد من عزلة القيادة المتنفذة في السلطة عن الشارع الفلسطيني لا سيما أن السلطة غائبة عن المشهد ولا زالت تراهن علي المفاوضات التي لن تجدي نفعًا بحسب تصريحه للجزيرة.
أما الباحث الفلسطيني محمود جرابعة فيقول أن الاحتمالات كافة لا تزال مطروحة في الضفة الغربية خاصة وأن الجيش الإسرائيلي يدفع باتجاه التصعيد العكسري، مؤكدًا استبعادهِ لأن تتحول عمليات المقاومة الحالية الى انتفاضة مسلحة بسبب تفكيك غالبية البينة العسكرية لحركات المقاومة منذ سنوات في الضفة الغربية ويبقى الترجيح للعمل العسكري الفردي.
ولكن السؤال الآن ومع غياب الصوت الرسمي في الضفة الغربية، ومع تزايد أعداد الشهداء والاصابات، واستباحة الجيش الإسرائيلي للمدن الفلسطينية ليلًا ونهارًا، واعتماد سياسة القتل بدم بارد والاستهداف المباشر للمقاومين والمدنيين دون صدور أي موقف دولي رسمي إبان ما يحدث، خاصة أن الجيش الإسرائيلي اخترق كافة المواثيق الدولية والاتفاقيات ما هي الخطوة القادمة؟ يقول الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية عبد الله العقرباوي للجزيرة أن هناك الكثير من الأجيال الفلسطينية الشابة غير مؤدجلة بأيديولوجيات فكرية معينة إنما تقوم بفعل المقاومة من منطلقات وطنية كرد فعل على جرائم الاحتلال الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد مستقبل المقاومة في الضفة.
في حين أن عمليات المقاومة في الضفة الغربية غير متكافئة بالقوة مع الجانب الإسرائيلي الأمر الذي يؤدي إلى تصاعد وزيادة في عدد الأرواح ويشهد هذا العام على هذه الخسائر من شهداء وإصابات وصلت في عدد المئات، هل حان الوقت للحفاظ على الأرواح مقابل عيش الفلسطيني بكرامتهِ؟ تساؤل يُطرح بعد فيض من معاناة الفلسطيني الذي ذاق هذا العام ذرعًا من الخوف والقلق والإغلاقات والتضييق عليه، بعد خسارات العائلات لأبنائها وخسارة الفلسطينيين لأشبالٍ قيادية شابة تستحق الحياة، وهذا ما يعكس الحاجة في العمل على تهدئة الوضع وعكس الاتجاهات السلبية على الأرض لواقع وطني وحياتي أفضل للفلسطيني.