بيت لحم- معا- قال بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن للروم الأرثوذكس كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث إن "احتفالنا بعيد ميلاد السيد المسيح لا يعني أننا نتجاهل آلام وأحزان أسر الشهداء والأسرى والجرحى والذين في الشتات، وأن ننسى ما نعانيه في حياتنا اليومية، وخاصة أفعال المجموعات الصهيونية المتطرفة التي تمارس أبشع أنواع الجرائم بحق كل من يختلف عنهم بهدف خلق بيئة طاردة للذين لا يوافقونهم، وخاصة في مدينتنا المقدسة".
وأضاف البطريرك ثيوفيلوس الثالث في عظته خلال ترؤسه قداس منتصف الليل في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، احتفالا بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الشرقي، بحضور رئيس دولة فلسطين محمود عباس، "لقد أصبح المسيحيون هدفا لهجمات متكررة ومستمرة من قبل الجماعات الصهيونية المتطرفة، وارتكبت جرائم لا حصر لها ضد المسيحيين، بما في ذلك الاعتداءات الجسدية واللفظية على الكهنة، وشن هجمات على الكنائس، وتخريب الأماكن المقدسة وتدنيسها بشكل منهجي، وكان آخرها قبل أيام قليلة تخريب أفراد تلك المجموعات الصهيونية المتطرفة لمقبرة الكنيسة الأسقفية في جبل صهيون، وقبل ذلك الاستيلاء بالقوة على أرضنا في سلوان، بالإضافة إلى الترهيب المستمر للمواطنين المسيحيين الذين يسعون إلى عيش حياة طبيعية كما أعطاهم الله هذا الحق".
وحضر القداس إلى جانب سيادة الرئيس، رئيس الوزراء محمد اشتية، وممثل العاهل الأردني، الأميرة مريم غازي، ورئيس اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين رمزي خوري، ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، والناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، ومحافظ بيت لحم كامل حميد، ومستشار حراسة الأراضي المقدسة، ممثل الرهبان الفرنسيسكان في فلسطين الأب إبراهيم فلتس، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وقادة الأجهزة الأمنية، إضافة لعدد من قناصل الدول الأوروبية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى دولة فلسطين، وشخصيات دينية واعتبارية، وجموع المصلين من أبناء شعبنا المسيحيين والحجاج من مختلف أنحاء العالم.
وأشار البطريرك ثيوفيلوس الثالث إلى "التعاون ما بين الكنائس في الدفاع عن وجودنا وحماية مقدساتنا، فلقد عملنا مع الأخوة البطاركة ورؤساء الكنائس منذ سنين من خلال تصدير المواقف والنشاطات الاحتجاجية المشتركة لقرع جدران الخزان وفضح ممارسات هذه المجموعات الصهيونية المتطرفة".
وأضاف: "نناشد معكم، وتحت قيادة فخامة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، الأسرتين الدولية والعربية، ونتمنى لفخامته وأخيه جلالة الملك عبد الله الثاني، صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية النجاح في أعمال مؤتمر القدس المنوي عقده في جامعة الدول العربية الذي نتمنى أن ينتج عنه مخرجات تساهم في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية وتحمي الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المقدسة وخاصة زهرة المدائن".
وتابع: "كما نطالب العالم المسيحي بالالتفات إلى أوضاع المسيحيين في القدس والعمل على تعزيز صمود من تبقى منهم على هذه الأرض التي انطلقت منها رسالة سيدنا المسيح، وفي هذا الإطار نثني على جهود فخامة الرئيس محمود عباس، وأخيه صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني، لما يبذلانه من جهد في الدفاع عن القدس والمقدسات، وحمايتها، ونشير إلى دور فخامته وجلالته بتنبيه العالم من خلال منبر الأمم المتحدة والمنابر الدولية الأخرى للخطر الذي يداهم الوجود المسيحي الأصيل في الأراضي المقدسة ودفاعهما عن الفسيفساء الثقافية والدينية والتاريخية التي تجعل من القدس مدينة شديدة التميز من بين مدن العالم".
وأردف البطريرك قائلا: "كما ندعو العالم أجمع لوضع حد للإرهاب والتطرف، ونتمنى أن يتطور العمل المشترك والتعاون بين الأشقاء بشكل أوسع، لوقف الحروب والنزاعات الجارية في بلدان الشرق الأوسط المختلفة، والتي تفتك بالمجتمعات قتلا وتهجيرا وشرذمة وإفقارا، والتي تشرد عائلاتنا المشرقية إلى مختلف أنحاء العالم".
وزاد: "ونطالب المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن العمل الجدي على إيجاد حلول سياسية تهدف إلى إحلال سلام عادل وشامل ودائم، وإلى إعادة جميع اللاجئين والنازحين والمخطوفين إلى أوطانهم وممتلكاتهم وحماية حقوقهم وكرامتهم كمواطنين، بالإضافة إلى توفير الحماية لمقدساتنا الإسلامية والمسيحية".
وقال: "وبالرغم من هذه الآلام، والمعارك التي تفتحها علينا المجموعات الصهيونية المتطرفة، فقد مكننا الله، من تنفيذ ما وعدنا به من بناء وتطوير لتعزيز صمود أهلنا وأبنائنا، وها هو مشروع "لنا القدس" يرى النور وترتفع مبانيه، وكذلك مشروع الإسكان في بيت جالا، كما أنهينا تسجيل أرض هنا في بيت لحم باسم الجمعية الخيرية الوطنية الأرثوذكسية ونتطلع لبناء مشروع إسكان فيها، وسنستمر في خوض معارك البناء والتطوير بيد، ومعارك حماية المقدسات والعقارات باليد الأخرى، فرؤيتنا لمدينة القدس وسائر الأراضي المقدسة أنها ستبقى المركز الروحي للأديان السماوية بالرغم مما تعانيه من أفعال المتشددين والعنصريين، وأن السلام المبني على العدالة سيحل فيها طال الزمن أو قصر".
وقال البطريرك ثيوفيلوس: "في هذه الليلة، نحتفل بعيد الميلاد المجيد، ميلاد سيدنا المسيح، الذي يشبع كل نفس جائعة، ويروي كل نفس ظامئة، ويعزي كل نفس متألمة، ويبهج كل نفس عابسة، الليلة ومن مهد السيد المسيح، وباسم أعضاء المجمع المقدس، وأعضاء أخوية القبر المقدس، وسائر كهنة بطريركيتنا "أم كنائس العالم"، وأبناء الكنيسة الأرثوذكسية، أهنئكم جميعا بعيدنا العظيم".
وأضاف: "في هذه الليلة المباركة أدعو إلى تكريس عامنا الجديد لأعمال الرحمة في كل أنحاء العالم. وندعو إلى أن يعيش الإنسان في أسرته ومجتمعه رحيما، وفي عمله رحيما بمن حوله، وفي سلوكه رحيما يسعى إلى الحق".
وتابع: "يظن كثيرون ويعلنون أن قضية العالم ومشكلته هي الاقتصاد، نعم ولكن العالم قبل السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا يحتاج إلى الرحمة واحترام الحقوق لكل إنسان في جميع نواحي الحياة، فالرحمة والحق أعظم من كل الثروات. وقد حقق المسيح الرحمة بحياته وبتعاليمه، وأنار لنا طريق الحق وعلى العالم أن يتخذ من تعاليمه نورا ونبراسا له".
وقال البطريرك: "ها هو عيد ميلاد السيد المسيح يحل علينا من جديد ليذكرنا بأهمية السلام والحاجة الماسة إليه، إنه نداء يهدف إلى شحن همتنا وحماسنا لبناء السلام العادل والدائم لكل البشر، وترسيخ أواصر الأخوة والعيش معا، فعيد الميلاد يدعونا إلى أن نستقبل الآخرين في قلوبنا، وننفتح عليهم ونقبلهم، ونصغي إليهم، ونمد يد المساعدة لهم، ونشعرهم بأنهم محبوبون وليسوا معزولين. هذا الاستقبال في القلب هو بمثابة تضامن ورجاء وتعزية. واحتفالنا بالميلاد يقاس بمقدرتنا على المحبة والرحمة".
وختم: "نصلي دوما "ارحمنا يا الله"، إن كان الله أرحم الراحمين فإنه القدوس العدل، والعدل يؤدي إلى السلام. إن تجسد الكلمة دليل إلهي على قيمة الإنسان والحياة الإنسانية. فكل عام وأرضنا المقدسة وأهلنا جميعا على ضفتي نهر الأردن بألف خير ورحمة ومحبة وسلام".