بقلم: د. صبري صيدم
لم يمض سوى أيام بسيطة على تولي حكومة نتنياهو المتطرفة دفة الحكم في إسرائيل، حتى بدأت إجراءاتها العنصرية في كل اتجاه، وكأنها في سباق مع الزمن للإطاحة بالشعب الفلسطيني، اقتحام هنا واعتقال هناك، قانون هنا وإجراء هناك، قرصنة هنا ومصادرة هناك.. حرب بكل معنى الكلمة، بينما يتوجس العالم من مآل الأمور.
حرب تشعرك وكأن نتنياهو والأربعين عنصرياً الذين يتسلح بهم اليوم في حكومته وجيشه، قد استفاقوا بعد خمس وسبعين عاماً من النكبة، ليجدوا أن الفلسطينيين لم يرحلوا، بل زادوا عدداً من البحر إلى النهر، فقرروا أن يسابقوا عقارب الساعة علهم يستطيعون البطش بهم وترحيلهم.
ولو أن أحداً آخراً من حكومات العالم اختار مسارا كهذا لقامت الدنيا ولم تقعد، فماذا لو قالت حكومة ما في العالم بأنها ستقتل كل من تحتجزهم، وستصادر أرضاً تحتلها بالكامل، وستحتجز جثة كل فلسطيني تقتله، وستعدم كل من نفذ عملية احتجاجية ضدها وستسحب الجنسية من كل من يعارض سياساتها، وجنسية سكانها الأصليين، إلخ، هل سيبقى العالم صامتاً متفرجاً؟ أم سيتهم بكل أنواع التهم وتتخذ بحقه إجراءات القطيعة والعزل والمقاطعة.
العالم وحتى تاريخه، ظالم في مواجهة حكومة نتنياهو ليس فقط لتعايشه مع ما لا يقبل به من عنصرية، بل لأن البعض من حكوماته ما زال ينافق إسرائيل ويصفها بـ»الديمقراطية» الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن لها «الحق» في «الدفاع» عن نفسها، بينما ما زال البعض من أبناء جلدتنا يفكر في الإيغال في التطبيع، وكأنه يبحث عن رضا لم يحصل عليه بعد فيسابق عقارب الزمن في تقديم أوراق اعتماده مستجدياً الثناء والحبور.
الديمقراطية لا تقتل ولا تعدم ولا تصادر دونما قرار مستند إلى منظومة قانونية وإجراءات تضبطها السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية.. والحق لا يقوم على قتل الآخرين وتهجيرهم ومصادرة حياتهم وتمزيق أحلامهم وسرقة إرثهم وتاريخهم واجتثاث وجودهم.
مغامرات إسرائيل اليوم التي توظف فيها تكنولوجيا الماضي لن تحقق اليأس المطلوب لدى الشعب الفلسطيني، وإجراءات اليوم لإقصائه والإطاحة به لن تفلح في وقف تمدده الديمغرافي لأن «ميكانيزمات» الصراع ومفاهيمه قد تغيرت، بل إن العكس صحيح، أي أن الفلسطيني متمسك بأرضه، لن يرحل، ولن يستسلم،
وعليه فإن على أرباب اليهود حول العالم أن يقلقوا اليوم من حكومة تل أبيب، لأنها ستشعل المزيد من الكراهية والحقد، وهو ما يستوجب سرعة تدخلهم وتداركهم لحال لن يمكن إصلاحه مستقبلاً. هذا ليس تهديداً، بل هو خطاب للعودة إلى السعي لعقلنة البشرية قاطبة، وتحقيق التجانس الآدمي المطلوب على أرضية رسائل العدل والحق والتسامح التي جاء بها الرسل جميعاً عليهم السلام.
اليوم ليس الأمس، وغداً لن يكون اليوم، فإما أن يستفيق النائمون وإلا تاهت البشرية في غياهب الحقد والكراهية، في عالم أثخنته الصراعات والأوبئة والحروب بكل فصولها، وعالم لن يعرف حدوداً للانتقام، فيبدأ الزحف البشري الفلسطيني على مستوطناتكم غير أبه بالنيران ولا بقوتها.
الخوف وإجراءات الردع لن يكونا سبيلاً للحل، إذ أن المفارقة تكمن في أن تطور علوم السلاح والقتل، في زمن تتسارع فيه عجلة التكنولوجيا والاتصالات عالمياً لم يعد يحقق الرعب الذي ينشده بعض البشر، أي أن الرؤوس النووية المكدسة وأسلحة الدمار الشامل والقنابل الجرثومية والكيميائية والصواريخ العابرة للحوم البشر والجيوش الجرارة وصنوف العتاد، لم تعد ترهب الشعوب المتسلحة اليوم بإراداتها وحناجرها فقط.
لذلك لمن ولد اليوم في عالم القمع واستفاق متأخراً في عالم التهجير، نقول: لن تنفعك القوة، فالقوة لا تجر إلا قوة مضادة، مساوية لها بالقيمة ومعاكسة في الاتجاه. أما أصحاب الفتن وما خفي من عظائم مساعيهم، فلا بد من أن يعرفوا أيضاً أن الزمن قد تغير وأن الحيل والألاعيب والمؤثرات الصوتية و»همبكات» الصورة ومشاهد الأكشن، لم تعد تنطلي على أحد، فاستفيقوا أنتم أيضاً حتى لا يعود الشعب الفلسطيني للعنتكم وبغضكم واتهامكم برعاية الشقاق وتمويل الفرقة. ننتظر ونرى!