القدس- تقرير معا- عبر نافذة منزلها المطلة على مسجد قبة الصخرة المشرفة، تتأمل السيدة نورا غيث- صب لبن القبة الذّهبية وأزقة عقبتي الخالدية والسرايا وحجارة وطرقات البلدة القديمة، ويديها تتلّمس جدران منزلها، تسقي بعض المزروعات بعناية، وعينيها تجوب في كل أركانه، فيما عقلها تجوب فيه مخاوف من أن تأتي "ساعة الصفر" التي يمكن أن تخلى منه بالقوة.
بدأت قصة السيدة الستينية منذ 50 عاماً، صراع من أجل الحفاظ على منزل عائلتها التي تعيش فيها منذ عام 1953 بموجب عقد "ايجار واستأجار محمي"، فيما تطالبهم سلطات الاحتلال بالعقار بحجة أنه "أملاك يهودية"، وبعد سنوات من المقارعة في المحاكم،جمدت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2016 قرار إخلاء سابق ضد العائلة لمدة 10 سنوات فقط، وفي سابقة خطيرة.. منعت المحكمة تواجد الأبناء والأحفاد في المنزل "بهدف منعهم من المطالب بحق الحماية كجيل ثالث"، ولكن القضية لم تتوقف وفوجئت العائلة بملاحقة جديدة وقضية اخلاء تهدد بقائهم بالمنزل.
وقالت السيدة نورا :"تحملت منع أولادي من الإقامة في المنزل للحفاظ عليه، فابني أحمد مع عائلته كان يقيم معنا، لكنه اضطر للمغادرة واستئجار بيت لعائلته، وقمنا باستئجار بيت آخر لابنتي وابني في شعفاط، وبذلك تشتت شمل الاسرة بأمر من المحكمة، لكننا فوجئنا عام 2019 بقرار "إخلاء جديد" وصدر منه قرار الإخلاء الحالي في آذار الماضي، وأقرته المحكمة المركزية نهاية عام 2022 وأمهلتنا حتى نهاية الشهر الجاري للاخلاء، لكننا قدمنا للمحكمة العليا استئناف على القرار".
أما عن الحجة لقرار الإخلاء الأخير أوضحت السيدة نورا :"عانيت عام 2018 وعلى مدار عدة شهور من "آلآم الديسك" في الظهر، ولم اتمكن من الحركة والسير، انتقلت الى منازل أبنائي ليسهل عليهم العناية بي، فيما بقي زوجي في منزلنا بالبلدة القديمة، وبعد تحسن صحتي عدت الى المنزل، وهنا كانت حجة المستوطنين بأني تركت المنزل لمدة تزيد عن 3 أشهر، لكني تقدمت أمام القضاة بالتقارير الطبية التي تؤكد صعوبة وضعي الصحي حينها، لكن القضاة رفضوها، فهم الحاكم والجلاد".
وتذكر السيدة نورا ما جرى مع العائلة في ثمانينات القرن الماضي، في محاولة لانتزاع ملكية المنزل منهم، بعد اصدارسلطات الاحتلال قراراً بضرورة ترميم المنزل بحجة انه "بناء خطر" وبعد ان بدأت العائلة باجراء الترميمات اللازمة، صدر قرار من المحكمة بإغلاق المنزلبحجة تغيير معالمه، وحينها اغلق المنزل لحين البت بالقضية، وفي عام 1989 صدر قرار يسمح لنا بدخول المنزل، لكن حتى عام 2001 تمكنا من اعادة فتحه والاقامة فيه مجددا".
وفي سبيل الحفاظ على منزلها تعاني السيدة نورا الأمرّين وتكافح من أجل البقاء، فهي العائلة الفلسطينية الوحيدة التي بقيت داخل مجمع سكني ضخم استولت عليه الجمعيات الاستيطانية بشكل تدريجي، وقالت السيدة نورا :"فوقي وجنبي وتحتي كله مستوطنين، كاميرات مراقبة أمام باب المنزل، مراقبة يومية على مدار الساعة، أعلام اسرائيلية على سطح المنزل، نمنع من اجراء ترميم داخلي له رغم الحاجة لذلك، فجدران والأسقف تملأها الرطوبة".
وقالت :"ان أخذوا بيتي سيكون ألم كبير بالنسبة لي وللعائلة بأكملها، لكن سأعتبره منزلا أسيرا وسيعود لأصحابه في يوم من الأيام".
وأضافت :"القدس تسكن فينا ونحن نسكن بها، وبيتي ليس مجرد مكان أعيش فيه، هو ذكريات وماضٍ ومستقبل، أنا واخوتي ولدنا وكبرنا وعشنا به".
وعقار عائلة السيدة نورا هو جزء من حي عقبة الخالدية، الذي يوجد فيه الكنس والمدارس الدينية والبؤر الاستيطانية وقاعات الاحتفالات للمستوطنين.