بقلم: د. صبري صيدم
أن تعّين شخصاً مداناً في حكومة ما، فإن خطوة كهذه إنما تضع مصداقية الحكومة تلك في دائرة الانتقاد المباشر. وأن تعين أربعة وزراء مدانين في حكومة واحدة، فهذا أمر لا بد من أن يكون الأكثر غرابة واستهجاناً حول العالم. وعندما تعرف بأن رئيس الحكومة ذاته إنما هو أيضاً في دائرة الشبهات والإدانة السابقة، فإن هذا الأمر سيكون بمثابة السبب الذي أبطل العجب، عملاً بقول أحد الشعراء العباسيين: إذا كان رب البيت بالدف ضارباً … فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
أما أن تقيّف القوانين لشرعنة وجود هذه الحفنة من الوزراء ورئيسهم وسيد أمرهم معهم، فإن دولة القانون المزعومة والديمقراطية الكاذبة التي يتغنى بها البعض، ما هي إلا عنوان شامل للبلطجة السياسية، وهو تأكيد صريح على أن دولة تسّيد المدانين، هي دولة لا تكترث بالنظام القضائي، بل تسعى لتغييره لحماية نفسها، كما أنها لا يهمها رأي العالم بها، خاصة إذا ما كان هذا العالم منبطحاً أمام جبروت تلك الحكومة وموغلاً في نفاقها، خوفاً من لوبياتها الداعمة حول العالم.
وعليه فإن وجود بنيامين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ودرعي في حكومة واحدة، إنما يقدم أنموذج حكم لا يشغل الكثير من الإسرائيليين وحدهم فحسب، وإنما العالم من حولهم، إذ لا يضيع معالي «السيئ» الوزير المكلف بالأمن القومي مثلاً، وبمباركة الحكومة، خاصة زملاءه الثلاثة، وقته في البحث عن ما يوجع الفلسطينيين، فيخطط للتنكيل بهم، جهاراً نهاراً وبشكل لم يزح القناع عن الوجه الحقيقي لإسرائيل فحسب، وإنما أيضاً عن وجه أبناء جلدتنا المتفرجين وأبناء كوكبنا المتواطئين، فما الذي يريد معالي «السيئ» الوزير وحكومته فعله؟
لقد بات في حكم المؤكد أن حكومة تل أبيب استفاقت بعد 75 عاماً من النكبة لتجد نفسها وقد فشلت في مشروعها الصهيوني القائم على إزاحة الفلسطينيين من أرضهم، فالفلسطينيون لم يتحولوا إلى هنود حمر في وطنهم المحتل، ورغم موت كبارهم إلا أن صغارهم لم ينسوا، بل تجدهم من أصحاب الذاكرة المتقدة والعقيدة المتيقظة للتحرير، وليفاجئوا الجميع بالتزامهم الحديدي بالمواجهة والحرية والاستقلال.
أما الصاعقة الكبرى بالنسبة لإسرائيل، وكما قلت في مقال سابق، فتكمن في الحجم السكاني للفلسطينيين، فهم أكبر عدداً على الرغم من كل الضغوط، وعلى الرغم من المصادرة والقتل والتهجير والاعتقال وتعزيز الفرز «الكانتوني» الإسرائيلي.
وعليه، فإن «السيئ» الوزير، إنما أعلن وحكومته ومع لحظة تنصيبه، الشروع بتنفيذ برنامجهم للتطهير العرقي للفلسطينيين، عبر نبش قبورهم واحتجاز جثامين شهدائهم وإقرار قوانين عنصرية واستحداث قوانين تبرئة ذاتية مقيفة، كقانون درعي مثلاً، الذي عادت المحكمة العليا لتبطله وتبطل تنصيب درعي ذاته، إضافة إلى الحديث عن قتل الأسرى الفلسطينيين وسحب الجنسيات من الأسرى المحررين، ومنع رفع العلم الفلسطيني، ناهيكم عن ذروة العنصرية الكامنة في التفكير بسحب الجنسية من المواطنين العرب، والبالغ تعداهم 22% من عدد السكان.
لذلك لم تضع حكومة المدانين ساعة واحدة منذ توليها السلطة فشرعت في العودة لما هو أسوأ من عقود السبعينيات والثمانينيات في محاولة طمس الهوية، ولتغتال فلسطينيا في كل يوم ربعهم من الأطفال، منذ تنصيبها. فما الهدف الفعلي من خطوات محمومة كهذه ومتسارعة، يحكمها ماراثون التطرف؟
1 ـ التخلص من كل الاتفاقات التي وقعت عليها إسرائيل مع الفلسطينيين – لأن حكومة الاحتلال تعتبر سيادتها مجزوءة في ظل وجود الترتيب القائم، وعليه ستسعى إلى الهروب من مسؤولياتها الأممية والقانونية والأخلاقية، لكي تهرب من كامل الاستحقاقات، وتستفرد بالفلسطينيين وتنفذ خلال أقصر مدة ممكنة، برنامجي الترحيل القسري والهجرة الطوعية، وحسم معركة الجغرافيا، وتقويض الديمغرافيا الفلسطينية إلى أقصى حد.
2 ـ ستسعى إسرائيل لتجفيف موارد السلطة الوطنية الفلسطينية بالكامل والقضاء عليها، أملاً في تعزيز الحل الأمني في غزة واعتماد مبدأ تضخيم الجزرة، حسب الهدوء على الجبهة هناك، واستحداث الحل البلدي الخدمي في الضفة الغربية وتحويل المال والصلاحيات للبلديات لتعزيز مفهوم استحداث الجزر السكانية المتناثرة، بعد إطباق السيطرة الكاملة على المناطق المصنفة ج، والفاصلة بين تلك الجزر.
3 ـ ضم الضفة الغربية والإقدام على خطوات غير مسبوقة: كإعدام الأسرى عبر تعديل القوانين، والعودة إلى تنفيذ حكم الإعدام بما يشمل كل من ينفذ أي عملية جديدة ضد الاحتلال، إضافة إلى فرض وقف البناء في المنطقة ج وهدم الأبنية القائمة. ولعل ما نشره نتنياهو مؤخراً على تويتر متغنياً ببن غفير حول عدد المباني التي هدمت في منطقة ج، يشكل دليلاً واضحاً على سواد هذه السياسة. نتنياهو لم يكتف فقط بشكر بن غفير، بل ذهب إلى القول بأن عهد البناء في منطقة ج قد ولى حسب زعمه.
4 ـ إخلاء مسافر يطا من سكانها بالكامل، وإزالة الخان الأحمر لتنفيذ مشروع أسرلة القدس الكبرى والمعروف بـ E1 إضافة إلى تعزيز مشروع إنعاش النقب، وزيادة وتيرة الهجرة اليهودية عبر حزمة مغريات مالية لليهود المهتمين، وفرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى وإدماج الصلوات الملحمية ببرامج الزيارات السياحية المستقبلية كأحد حوافز تلك الزيارات، وإقرار قانون سحب الجنسية الإسرائيلية من السكان العرب تحت ذرائع مختلفة.
أمام كل هذا وذاك فإن الفلسطيني هو خير من استفاد من نعمة المعاناة على قاعدة «اشتدي يا أزمة تنفرجي»، وهو أول من يقول: حرب فرضت علينا، ونحن لها.
أملنا فلسطينياً أن ننجز ترتيب بيتنا الداخلي، ونستحدث الفسيفساء النضالية المطلوبة والمتجانسة والمتناغمة، القادرة على مواجهة هذا النموذج العدواني الواضح الذي أماط اللثام عن هدف دولة الصهاينة الحقيقي القائم على مفاهيم الترحيل والإزاحة والإحلال. الأيام بيننا… ننتظر ونرى!