الثلاثاء: 05/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين لن تكون أفضل حالا لو كانت مدرجة- مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2022

نشر بتاريخ: 31/01/2023 ( آخر تحديث: 31/01/2023 الساعة: 12:36 )
فلسطين لن تكون أفضل حالا لو كانت مدرجة- مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2022

رام الله- معا- تراجع تصنيف غالبية الدول على مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) للعام 2022 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بما فيها البلدان العربية.

ومؤشر مدركات الفساد هو مؤشر تعده وتنشر نتائجه منظمة الشفافية الدولية منذ العام 1995، وهو مؤشر مركب يستخدم لقياس مدركات الفساد في القطاع العام فقط، ويركز على البيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية ومستويات وإجراءات الحوكمة في البلدان. ويعتمد المؤشر على 13 مصدر معلومات مستقل اغلبها تقارير واستطلاعات لخبراء في كل بلد، يتم إعدادها بواسطة معاهد دراسات ومؤسسات دولية مستقلة، ويتولى تحليل هذه المصادر خبراء خارجيين تعينهم الشفافية الدولية، ولاعتماد إضافة أي دولة على المؤشر يشترط توفر 3 من المصادر المعتمدة على الأقل، وتمنح الدرجة من صفر الى 100، حيث صفر يعني الأكثر فسادًا و 100 الأكثر نزاهة واقل فسادا.

وتراوحت درجات الدول العربية المدرجة في المؤشر ما بين 13 و 67 درجة من 100، 13 دولة من أصل 16 لم تتجاوز درجة ال 50 على المؤشر، حيث تُواصل شعوب المنطقة صراعها مع أنظمة الاستبداد والنضال من أجل حقوقها السياسية والمدنية والاجتماعية ، بعد أن أخفقت انتفاضات الربيع العربي في احداث تغيير جوهري في تحسين العقد الاجتماعي وذلك بسبب استمرار من هم في القمة بالاحتفاظ بالهيمنة على الحكم وإعاقة النزاهة السياسية. وقد تسبّب ذلك في تفشِّي الاضطرابات المدنية والصراعات العنيفة. ساهم استمرار عدم الاستقرار والاستحواذ على السلطة في العديد من هذه الدول إلى تأجيج الفساد السياسي، ما يُغذّي الحلقة المفرغة من الاستبداد والفساد والتخلف والصراع في العديد من هذه الدول.

وعلى قمة تصنيف الدول العربية تأتي الإمارات العربية المتحدة (درجة مؤشر مُدرَكات الفساد: 67) وقطر (58). بينما سجّلت البلدان التي تعاني من النزاعات أسوأ الدرجات: ليبيا (17) واليمن (16) وسوريا (13) من 100.

وأصبح الفساد يتداخل وحليف مع الصراع والفشل في التنمية ومكافحة الفقر ومعالجة البطالة والحقوق والحريات المدنية ويغذي كل منها الآخر.

لقد أدى استمرار تحكم المسؤولين في الأنظمةٍ الفاسدة الى استمرار استخدام السلطة للمصلحة الذاتية والخاصة على حساب المصلحة العامة وشرّع ممارسة الواسطة والمحسوبية والرشاوى، وعزز تراكم المظالم وأدى إلى الصراعات وإراقة الدماء. في كل من ليبيا واليمن وسوريا، وبعد فشل الربيع العربي في إقامة الدولة الديمقراطية الحديثة اندلعت حروب أهلية بين مجموعات مسلحة مختلفة، واستمر المسؤولون العامُّون الفاسدون في خدمة أنفسَهم بدلاً من خدمة المواطنين كافة وأصبح الكثير من المواطنين يفتقرون للوصول إلى الخدمات الأساسية وهو الامر الذي استمر في تغذية الصراع وعدم الاستقرار. ولذلك لن تستطيع معظم هذه البلدان المُضيّ قُدُمًا إلا عندما تتوقف حلقة الفساد هذه.

الفساد والنزاعات تؤدي الى اهدار المتوفر من الميزانيات

في مختلف أنحاء المنطقة، ضعف الشفافية في ميزانيات الدولة وبشكل خاص ما ينفق على الأمن يفسح المجال لإنفاق الأموال دون مشاركة من الجمهور في تحديد الاولويات، بل والقدرة على التأثير على إعادة توجيهها من قِبَل الجهات الفاسدة. وفي منطقةٍ بها هذا الكمّ من النزاعات، تُعدّ مثل هذه الميزانيات المخصصة للأمن كبيرة - ما يوفّر فرص ومكاسب ضخمة للجهات الفاسدة. فطبقاً لمؤشر الحوكمةلمكافحة الفساد في قطاع الدفاع، التابع لمنظمة الشفافية الدولية، لا يوجد بلد في المنطقة يحتل مرتبة أفضل من "عالي المخاطر"، حيث تُصنّف غالبية البلدان فيها على أنها "عالية المخاطر جدًا". حتى في البلدان التي لا تنخرط بنشاط في الصراع، تستهدف ميزانيات الدفاع الكبيرة دولاً أخرى في المنطقة - مثل إنفاق دول الخليج في اليمن.

في أسفل القائمة للمنطقة (والعالم)، تُظهر اليمن وسوريا التأثير المأساوي للصراع الذي طال أمده. في أنظمةٍ ضعيفة بالفعل وتعاني من الصراع، يسلُب الفساد الموارد من الدولة، ما يزيد من إضعاف قدرة الحكومات على الوفاء بدورها المتمثل في حماية الشعوب وفرض سيادة القانون. يزيد ذلك بدوره من حدة المظالم ويؤدي إلى نشوب صراعاتٍ داخلية. في معظم الدول التي نشأت فيها صراعات داخلية لاحقا ، كان الفساد أحد أهم الانتقادات للحكومة التي أدت الى انهيار الدولة وازمات انسانية، حيث يعاني السكان فيها من الحاجة الماسّة إلى الغذاء. مع استمرار احتفاظ النظام بالسلطة، وانهيار البنية التحتية، مما ترك الكثير من السكان غير قادرين على الحصول على المياه النظيفة والرعاية الصحية والغذاء.

القيود على الحيز المدني وإعاقة عمل مؤسسات الرقابة يضعف نزاهة الحكم والثقة بمؤسساته:

بعد ركودٍ لمدة خمس سنوات، أظهر الأردن اشارات مقلقة مع انخفاض درجته بنقطتين على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام وسط قيودٍ متزايدة تفرضها الحكومة على الحيز المدني وعمل منظمات المجتمع المدني وهو ما اضعف من ثقة الجمهور بالحكومة بصورة متنامية. حيث وسّعت الدولة سلطتها وقمعها للمجتمع المدني والصحفيين الذين ينتقدون أفعالهامتذرّعةً بحالة الطوارئ التي أُعلِنت للاستجابة لجائحة كوفيد-19. وقد أدت هذه القيود الصارمة، وإعاقة الرقابة العامة، إلى قيام "منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطنين" بتخفيض تصنيف البلد إلى "قمعي".

التفرد وضعف الشفافية والمشاركة يؤثر سلبا على موقع دول الخليج في المؤشر

شهِدَت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي تراجعاً أيضاً على مؤشر مُدرَكات الفساد لهذا العام حيث حصلت كل من اعضائه على: الإمارات العربية المتحدة (67)، وقطر (58)، والمملكة العربية السعودية (51)، والبحرين (44)، وعُمان (44)، والكويت (42). حيث استمرت في سياسة تقييد للمساحة المتاحة للمجتمع المدني، لذا وبدون قنوات للمشاركة المدنية والوصول إلى المعلومات، يُترك المواطنون خارج عملية صنع القرار وبدون سُبُل متاحة لدفع عجلة التغيير الاجتماعي.

بالرغم من أن الإمارات العربية المتحدة (67) ما تزال صاحبة أعلى درجةٍ على المؤشر في المنطقة، لكنها بدأت تُظهِر علاماتٍ مقلقة للتراجع. فينما اتخذت حكومتها خطواتٍ لزيادة الكفاءة في الإدارة العامة، لا تزال الشفافية منخفضة، كما أن آليات الحماية من الفساد والانتهاكات الأخرى غير متوفرة. كما يخشى المواطنون انتقاد الحكومة بسبب القيود الصارمة، وغالباً ما تُراقَب وسائل الإعلام نفسُها لتفادي القمع مما يجعل من الصعب على المواطنين الحصول على معلومات عن أنشطة الأسرة الحاكمة، وكذلك العمليات الحكومية.

شهدت قطر، إحدى البلدان الأخرى التي عادة تسجل درجات عالية على المؤشر بين الدول العربية، انخفاضًا أكثر حدة، حيث هبطت من 64 إلى 58 . مخاطر الفساد في قطر تتجاوز ما اثير حول كأس العالم ، حيث إن وصول المواطنين إلى المعلومات ذات الصلة بمشتريات الدولة والميزانية الحكومة يُعدّ مقيَّداً للغاية. وبينما تجري المحاسبة على جرائم الفساد الصغيرة بشكلٍ منتظم، الا أنه يفتقر إلى آليات مستقلة لكشف ومنع الفساد المُمنهَج. وقد يُساء أيضًا استخدام تشريعات مكافحة الفساد لاستهداف المُنتقدين والمُبلِّغين.

لبنان

وقع لبنان الذي حصل على علامة (24) من 100 في دوامةٍ الازمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية خاصة بعد انهيار قطاعه المالي نتيجة الإنفاق المُفرِط والفساد وأصبحت الدولة عاجزة عن دفع كامل رواتب موظفي الخدمة المدنية والجيش، أو تقديم الخدمات الأساسية بشكل كاف مثل الرعاية الصحية والمياه والغذاء والكهرباء. وهو أمرٌ مقلق بشكل خاص حيث وقع أربعة من كل خمسة مواطنين فريسةً للفقر خلال الأزمة، بينما ارتفع التضخم بشكل كبير في عام 2022. بنوك في لبنان تواطئت في ضخ ثروة لبنانيين متنفِّذين إلى الخارج، وهو ما أثار غضب المحتجين الذين لم يكن بالمقابل بمقدورهم الحصول على مدخراتهم من البنوك. وممّا زاد الطين بِلّة، أن البلاد تعيش بدون حكومة عاملة منذ نهاية أكتوبر وذلك على اثر عدم انتخاب رئيس جديد، ما أدى إلى تأخير الإصلاحات الضرورية لتحسين الحوكمة الاقتصادية والنقدية.

إن تراجع نزاهة الحكم في لبنان سيعزز الفساد السياسي وسيؤدي الى تعميق انعدام الثقة بالمؤسسات السياسية ومسؤوليها وإلى زيادة التوترات الاجتماعية التي تُمزّقه. بدون إصلاحات سياسية حاسمة لكبح جماح الفساد السياسي في سلطة الحكم والعقد الاجتماعي للدولة، لن يكون مصير الصراعات القائمة إلا المزيد من التفاقم والفساد.

تونس تتراجع في منظومة نزاهة الحكم

انخفضت تونس (40) أربع نقاط مقارنةً بالعام الماضي، مع تزايد المخاوف من مواصلة البلاد السير على طريق الاستبداد. أقال الرئيس قيس سعيد، الذي يسعى جاهداً لتركيز السلطات في يد السلطة التنفيذية، عشرات القضاة بحجة التطهير لمكافحة الفساد، ووضَع النظام القضائي تحت سلطته - متجاهلاً قرارات المحكمة الإدارية التي تسعى لعكس إجراءاته. لم تستأنف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، التي أُغلِقت في عام 2021، عملَها حتى الآن، تاركةً المبلِّغين عن الفساد بلا مكان يلجؤون إليه. كما قامت الحكومة بمهاجمة وترهيب منظمات المجتمع المدني والصحفيين علناً، ما أسهم في انعدام الثقة وزيادة التوتر الاجتماعي بعد أن تم توسيع سلطة الرئيس بعد أن أقال رئيس الوزراء وجمّد البرلمان. وتجدر الاشارة الى أن 11.2 في المائة فقط من الناخبين قد شاركوا في الانتخابات التي تمت في ديسمبر. ولذلك سيكون البرلمان الجديد ضعيفًا للغاية وغير قادرٍ على معالجة القضايا الحاسمة لدعم جهود الديمقراطية ومكافحة الفساد.

الحاجة الماسة للإصلاح السياسي وتعزيز النزاهة السياسية

لوقف دائرة العنف والفساد، يجب على القادة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عكس اتجاه الاستبداد وفتح المجال للجميع للمشاركة في صنع القرار. يجب أن توجد مؤسساتٌ للدولة لمكافحة الفساد وتقديم الدعم لمن هم في أمسّ الحاجة إليه، بدلاً من استنزاف الموارد العامة لتوطيد سلطة النخبة القليلة. بعد سنواتٍ من الركود، يجب أن يكون انخفاض مؤشر مُدرَكات الفساد هذا العام بمثابة دعوةٍ للاستيقاظ لإجراء إصلاحات عاجلة وحماية الحقوق والحريات الأساسية والمدنية في جميع أنحاء المنطقة.

فلسطين لن تكون افضل حالا لو ادرجت في المؤشر

يرى الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان (الفرع المعتمد لمنظمة الشفافية الدولية في فلسطين) أنه وعلى الرغم من عدم ادراج فلسطين على المؤشر منذ قرابة 15 عام لأسباب تتعلق بعدم توفر على الاقل ثلاثة مصادر للمعلومات (من بين 13 مصدرا معتمدا) عن فلسطين التي يتطلبها المؤشر الا أنها لن تكون افضل حالا من دول المنطقة لو ادرجت في المؤشر، فأيضا في فلسطين هناك تحديات جمة مرتبطة بضعف النزاهة السياسية ونزاهة الحكم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. المجلس التشريعي مغيب، السلطة التنفيذية استملت زمام التشريع بدلا عن المجلس التشريعي صاحب هذه الصلاحية، وهي غير خاضعة لرقابة حقيقية (يمثلها برلمان منتخب) بما يشمل الرقابة على اداء الموازنة مع ضعف شديد في ادارة الموازنة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك الرقابة على قرارات الطبقة السياسية والتي بعضها ليس بالضرورة يخدم المصلحة العامة وانما قد تخدم مصالح خاصة في ظل هذا الغياب للرقابة البرلمانية وعدم اشراك مؤسسات المجتمع المدني في ادارة الشأن والمال العام، هذا بالاضافة الى الضعف في استقلالية منظومة العدالة وضعف في شفافية السلطة التنفيذية.

فلسطين لن تكون أفضل حالا لو كانت مدرجة- مؤشر مُدرَكات الفساد (CPI) لعام 2022