السبت: 09/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

فشل بشري.... وزحمة فتاوى!

نشر بتاريخ: 15/02/2023 ( آخر تحديث: 15/02/2023 الساعة: 11:23 )
فشل بشري.... وزحمة فتاوى!



بقلم: د. صبري صيدم

أكثر ما يؤلم الإنسان وهو يشاهد مشاهد الملهوفين تحت ركام المباني في كل من سوريا وتركيا، هو ذاك الفشل البشري الذي حرم العالم من القدرة على التنبؤ بالزلازل قبل وقوعها، فما أصل الحكاية؟

قدرت البشرية منذ قدم التاريخ أهمية التطور العلمي، فوظفت معظم حضاراتها المتنورة لهذا الغرض، وقد ساهمت القفزات المعرفية العلمية العالمية في إذكاء شعلة الإشعاع الحضاري المرتبط بالعمل والفعل والإنتاج، إلا أن هذا التطور لم يسلم من الطمع والجشع وحب السيطرة.

فحروب البشرية ونزاعاتها التوسعية، وحب السطوة والسلطة شجعها وفي محطات تاريخية عدة، على توظيف جزء مهم من إنجازاتها المعرفية نحو تطوير قدراتها الحربية منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا.

ولعل هذا الأمر تفاقم بعد الثورة الصناعية، واكتشاف الكهرباء والهاتف والمذياع، وتصنيع الطائرات والمركبات على اختلافها، وبعد حربين عالميتين كبيرتين، وتطور مفاهيم الذرة والتسليح وتقنيات التواصل بما فيها الإنترنت، وانطلاق التنافس المحموم بين الشركات العالمية في عوالم التقانة على تنوعها، خاصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والطاقة والاتصالات ورحلات الفضاء والحلول البيئية المستندة إلى الطاقة البديلة، التي يتصاعد استخدامها على المستوى المجتمعي والتقني يوماً بعد يوم.

كل هذا الإنجاز المعرفي التقني النوعي باستثناء التسليح، ليس نقيصة أو مثلبة على الإطلاق، وإنما هو محل تقدير رغم كل ما يكال له من اتهامات ومن ظواهر اجتماعية مختلفة ظهرت وتفاقمت والتصقت به. فالعيب ليس في العلم وإنما في التوظيف.

فمطامع البشر تغلبت حتماً على التوظيف الأمثل للمعرفة، بحيث سيطر الشر على مساحات الخير المنيرة، إذ بات الإنسان قادراً على استشعار انطلاق صواريخ معادية مبكرا والتصدي لها، بينما لا يستطيع حل اللغز المرتبط بمرض السرطان مثلاً، والتنبؤ مبكراً بتغيرات الطقس، والتدخل متى شاء للتأثير فيها، من دون أن يمتلك القدرة على التنبؤ مبكراً بالزلازل تحديداً، كما أن للإنسان القدرة على رصد حركة الشمس والأجرام السماوية والكواكب والنيازك، والقدرة على المعرفة مسبقاً عما سينتج عن هذه الحركة من خسوف وكسوف، أو حتى اصطدام محتوم بالأرض لكنه لا يعرف كيف يتفادى بعض الكوارث الطبيعية الأخرى.

لقد فشلت البشرية فشلاً ذريعاً في الارتقاء بعلمها لخدمة ذاتها بالشكل المطلوب، وما زلزال تركيا وسوريا الأخير إلا دليل قاطع على ذلك الفشل، الذي لا يتحمل جميع البشر مسؤوليته، وإنما أولئك الذي استوطن الجشع في قلوبهم فوظفوا المال والجهد في تغذية بحوث علمية هدامة تخدم مصالحهم، وأهدروا أموال البشرية في تمويل نزواتهم ومطامعهم ومطامحهم الدنيئة، فكانوا وسيبقون عنواناً للجهل المطبق والانحطاط الفاقع والتردي المخجل.

هؤلاء هم من يجب أن يحاكمهم التاريخ على كل قطرة دم سالت، أو بشرية عذبت، أو مذبحة حدثت، أو حرب شنت أو احتلال ساد. أولئك من حرموا البشر من حقهم في استمرارهم بالعيش بكرامة، وتطوير قدرات الكون ليتسع للجميع.

هؤلاء هم رموز الكراهية والحقد وحب الذات، وهم أولئك الجهلة الذين استعبدوا العلماء لخدمة مصالحهم القذرة. فمشاهد الزلزال الأخير تدمي القلب في كارثيتها، وهو ما كنت أتمنى معه أن يصمت أولئك الذين يبحثون عن الشهرة عبر وسائل الإعلام بادعائهم بأنهم خبراء في علم الزلازل والجيولوجيا فيطلقون الفتاوى في كل الاتجاهات، ويرهبون البشر بالتنبؤ بالمزيد من الكوارث، من دون أن يكون لأصحاب الفتاوى هذه الدراية والمعرفة وإنما حب الظهور و»المنظرة» على حساب الغلابة المنكوبين. كفى فتاوى من دون علم، وتوقعات من دون معرفة، كفى كذباً ودجلاً، فالناس مكلومة وموجوعة ولا تريد سوى صمتكم وكبح جماح نزواتكم الإعلامية.

لقد شاهدنا على الفضائيات عشرات الخبراء في مجال الزلازل، سبحان الله. فجأة اكتشفنا أن العالم العربي يمتلك جيشاً من الضليعين المزعومين في علوم الجيولوجيا! كفى بالله عليكم.. كفى كذباً واختلاقا ودجلا.. فهل تعيروننا شيئاً من صمتكم بعد نكبة فشلت معها البشرية في استشعار الكارثة قبل حدوثها؟ أم تستمر مراكمة الوجع فوق الوجع؟ ننتظر ونرى.