واشنطن- معا- أدت الأخبار التي تفيد بأن جيمي كارتر (98 عاما) سيقضي أيامه الأخيرة في الحياة تحت خدمات رعاية المسنين بمنزله، إلى تدفق التأملات حول حياته ومسيرته المهنية، مما سمح بإحياء ذكرى الرئيس الأميركي الذي عاش أطول من أي رئيس آخر.
وفي هذا السياق جاء مقال للكاتب إيشان ثارور في صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post)، الذي تعرّض لموقف الرئيس الأسبق من بناء إسرائيل مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، وإصراراه على ضرورة السماح للفلسطينيين بقدر من الحكم الذاتي، وتحذيراته من أنه من غير الحل السلمي للصراع فإن إسرائيل تتخذ منعطفا خاطئا على طريق الفصل العنصري.
وقال الكاتب إن رئاسة كارتر استمرت مرة واحدة، ومع ذلك امتد إرثه إلى ما بعد رئاسته طويلا، وشمل اهتماما بالبيئة وحقوق الإنسان والرفاه الاجتماعي وذكرى لا تمحى من التواضع. وكانت أشهر جهود كارتر لصنع السلام بدأت في عام 1978 في كامب ديفيد، حيث توسطت إدارته في محادثات سلام بين إسرائيل ومصر في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
وأضاف أنه على الرغم من أن كارتر فعل لأمن إسرائيل أكثر مما فعل أي رئيس أميركي منذ ذلك الحين، فإنه ما زال مذموما في إسرائيل ووسط المؤيدين الأميركيين لإسرائيل، ووُجهت إليه "تهمة معاداة السامية".
المستوطنات انتهاك للقانون الدولي
وأوضح ثارور أنه على عكس جميع الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، نظر كارتر صراحة إلى المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة على أنها انتهاك للقانون الدولي، وعائق أمام إنشاء دولة فلسطينية منفصلة وقابلة للحياة، وشن حملة عليها بعد تركه منصبه.
ففي عام 2006، نشر كارتر كتابا بعنوان "فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري"، محذرا من أن ظروف "الفصل العنصري" سادت في إسرائيل في سياق حُرم فيه ملايين الفلسطينيين من الحقوق نفسها التي يتمتع بها جيرانهم الإسرائيليون، وحيث تتوسع المستوطنات بمصادرة أراضي الفلسطينيين.
لم يكن خائفا
ونقل ثارور عن كاي بيرد كاتب سيرة كارتر قوله إن الرئيس الأسبق أصر دائما على أن إسرائيل ملزمة بتعليق بناء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والسماح للفلسطينيين بقدر من الحكم الذاتي، وعلى مدى عقود كان يجادل بأن المستوطنات أصبحت عقبة في طريق حل الدولتين والحل السلمي للصراع، ولم يكن خائفا جراء تحذيره الجميع من أن إسرائيل تتخذ منعطفا خاطئا على طريق الفصل العنصري.
واستمر الكاتب يقول إن كارتر تعرض للانتقادات من كل جهة؛ فقد كان الرد الفلسطيني على كتابه "فلسطين.. السلام لا الفصل العنصري" قاسيا، واستقال 14 عضوا من مجلس إدارة المركز التابع له، ووبّخه نواب وأعضاء بارزون من الحزب الديمقراطي مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون والرئيسة السابقة لمجلس النواب نانسي بيلوسي علانية، كما خرج عدد كبير من المعلقين في واشنطن -بما في ذلك كتاب الرأي في هذه الصحيفة- مذعورين من تشبيهه النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا بالديمقراطية الأكثر تفضيلا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من ديمقراطية إسرائيل.
ونسب لكارتر قوله لستيف إنسكيب من محطة "إن بي آر" (NBR) في 2007 إن عبارة "الفصل العنصري" تصف بدقة ما يجري في الضفة الغربية والقمع الكامل للفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي المهيمن.
الأيام أكدت نظرته للأمور
وقال إن كارتر، وهو رجل دولة كبير في الغرب، كان يخاطر بشكل لم يفعله أي من نظرائه من قبل أو منذ ذلك الحين، لكن السنوات التي تلت ذلك أكدت نظرته للأمور، إذ إن "الفصل العنصري" في إسرائيل والأراضي المحتلة التي تسيطر عليها هو الآن قرار منظمات حقوق الإنسان الأكثر نفوذا في العالم، فضلا عن مجموعة حقوقية داخل إسرائيل.
وأشار إلى أن المتطرفين اليمينيين، الذين كانوا خارج المشهد السياسي في إسرائيل في عهد كارتر، يجلسون الآن في قلب أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، مطلقين بالفعل برنامجا من شأنه أن يضفي مزيدا من المصداقية على الوصف الذي أطلقه كارتر "الفصل العنصري".
وختم ثارور مقاله بأن كارتر حذر من هذا الانجراف قبل عقد ونصف العقد، وكذلك في عام 2020 عندما نشرت إدارة ترامب "خطة السلام" المهملة الآن والتي ألغت بشكل أساسي الحاجة إلى دولة فلسطينية مستقلة. وقال كارتر في بيان "الخطة ستقضي على الحل الوحيد القابل للتطبيق لهذا الصراع طويل الأمد".
المصدر : واشنطن بوست