السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

نشجب وقفكم لبيانات الشجب!

نشر بتاريخ: 12/04/2023 ( آخر تحديث: 12/04/2023 الساعة: 15:14 )
نشجب وقفكم لبيانات الشجب!



بقلم: د. صبري صيدم

أقدمت وكالة معاً إحدى أنشط وكالات الإعلام الفلسطينية في الآونة الأخيرة على خطوة جريئة وغير مسبوقة في عالم الإعلام العربي، وذلك عندما نشرت على موقعها الرسمي قرارها بوقف نشر بيانات الشجب والاستنكار، احتجاجاً على الدور السلبي لهذه البيانات في خفض الروح المعنوية لدى الجماهير، والحط من مكانة الصمود الفلسطيني، حسب قولها.

وجاء في بيان الوكالة الصادر مطلع نيسان/أبريل الحالي ما يلي: أوقفت وكالة معا الإخبارية وشبكة معا التلفزيونية التعامل مع بيانات الشجب والاستنكار، لأنها تخفض الروح المعنوية للمواطنين وتحط من مكانة الصمود الفلسطيني على جميع الساحات، فقد دأب العديد من الجهات العربية، منذ سبعين عاما وأكثر على الاكتفاء بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، ردا على مجازر وجرائم الاحتلال.

وفي تعليقه على هذا القرار قال رئيس تحرير معاً بأن: من يريد أن يشجب أو يستنكر يمكنه أن ينشر خبره على صفحته على تطبيق الفيسبوك: «فهذا يكفي»، حسب قوله. البيان لم يقتصر على الحالة العربية فحسب، إنما عرج أيضاً على الحالة الفلسطينية، في إشارة واضحة إلى أن القرار لا يقتصر على العرب والعجم، وإنما يطال الفلسطينيين أيضاً.

ومع تقديري الشخصي الكبير لهذه الخطوة، فإنني مقتنع بأنها لن تلقى استحسان الكثيرين من ممارسي الشجب والاستنكار، ليس لأنها كشفت حالة الضيق الفلسطيني، جراء كثافة بيانات الشجب الدولية والعربية، وسطحيتها وعدميتها فحسب، بل لأنها (أي البيانات) إنما تشكل السلاح الوحيد المتاح أمام الشاجبين المستنكرين.

وعليه فإن كثيراً من مؤسسات العروبة ودولها سيشجبون وقف الشجب ويستنكرون وقف الاستنكار، وسيلومون الوكالة المذكورة لأنها حرمتهم من ممارسة هوايتهم التي يوظفونها لرفع العتب، واقتصار تدخلهم عليها. الحال ذاته يطال البعض من الشخصيات والفصائل الفلسطينية، ممن يعتقدون أن جلوسهم في دفء منازلهم وإصدار بيان هنا وبيان هناك، إنما يكفيهم شر القتال ويعطي الانطباع الوهمي بأنهم قد قاموا بما عليهم، من دون أن يكلفوا أنفسهم مسؤولية الوجود في الميدان.

مجريات العقود الماضية التي سفكت فيها دماء المحابر، وازدحم بها الفضاء الإلكتروني، جراء كثافة بيانات الشجب، أثبتت حقيقة واضحة مفادها: ليس بالشجب وحده يخاض النضال لتحرير فلسطين، بل بتصعيد الروح الرافضة لنهج الظلم، والتأثير في مصانع القرار، وممارسة الضغط على كل الصعد، واستخدام الوسائل المتاحة لحماية وتعزيز المسيرة الوطنية الفلسطينية وصيانة دورها عبر تصعيد العمل الميداني المقاوم، وتوظيف الإعلام الاجتماعي والتقليدي في خدمة الرسالة الوطنية، وتحريك الأطر الحزبية على اختلافها، واستنفار الجاليات والساسة والبرلمانين والأحزاب حول العالم، إضافة إلى استنهاض مؤسسات المجتمع المدني الدولية والعربية، بما فيها المؤسسات الفلسطينية الغائبة نسبياً عن المشهد المقاوم.

أن تشجب من دون أن تتحرك سياسياً وتمارس الضغط على من تستطيع إليه سبيلا، أو توفر دعماً معنوياً، أو تقدم ما عليك من استحقاقات مالية مقرة وفق قرارات حكومية، أو قمم عربية سابقة، أو تحرك قواك لنجدة الشعب الفلسطيني فإن هذا (الشجب) لا يعدو كونه رفعاً للعتب.

المفارقة في الأمر أن بقية دول العالم وإثر عجزها أمام جبروت الإعلام الصهيوني ولوبياته الضاغطة، قررت تطوير لغة بيانات الشجب، خاصة جراء قناعتها بأن تلك البيانات لم تعد تؤخذ على محمل الجد.

وعليه فقد رفدت مصطلح الشجب بكلمتين إضافيتين وهما: بأشد العبارات. كل هذا ما هو إلا كلام في كلام، لامتصاص الغضب وشراء الوقت وتبرئة الذات وهو ما يعطي إسرائيل الوقت الكافي لإتمام مخططاتها في التوسع وإحكام السيطرة وتجذير احتلالها. أما أوكرانيا مثلاً فلم تعد ساحة حرب فقط، بل ساحة مفارقات غير مسبوقة، الشجب والاستنكار يأتي مشفوعاً بحزمة من المواقف والإجراءات الميدانية، والدعم المعنوي والعسكري، وهي خطوات إنما تعزز برمتها مبدأ ازدواجية المعايير، فالمقاوم هناك إرهابي في فلسطين، والمقاومة هناك إرهاب في فلسطين، ومنح التسهيلات للاجئين والمقاومين هناك يقابله وصم بالتحريض والإرهاب!

هذا الحال وغيره مما يصاحبه من الانبطاح الدولي أمام إسرائيل، يجعل الشجب والاستنكار بمثابة الرياضة المفضلة ممارستها لدى الكثيرين، والسلاح الوحيد البارز والأبرز، فما بالكم عندما يحجب أو يحظر؟ عندها سيعود أبطال الشجب حتماً لشجب قرار وكالة معاً بوقف الشجب. فهل يحرر الشجب شعباً وأرضاً؟ ننتظر ونرى! علنا نرى معجزة الشجب تصنع استقلالاً وخلاصاً.