بقلم: د. صبري صيدم
يشهد عالمنا اليوم تزايداً كبيراً في اعتمادنا على وسائل التقانة الحديثة، حتى إننا بتنا لا نذكر قطاعاً ما إلا وكانت التكنولوجيا المتطورة جزءاً أصيلاً منه. فلا نستطيع اليوم الحديث عن قطاعات التغذية والتطبب والتعليم والسياحة والاقتصاد والطاقة والبناء والبيئة والفضاء وحتى السياسة وغيرها الكثير، إلا وكان للتكنولوجيا دورها. ولعل تفاقم الكورونا في السنوات الماضية، وتنامي ثقافة الحجر، والعمل عن بعد قد سارعا في زيادة اهتمام العالم بهذا التطور المتسارع.
وقد تصور البعض مع ازدهار الإنترنت، أن ذاك التطور المتسارع ربما يستقر أو يتباطأ مع وصول الإنترنت إلى أكبر عدد من البشر، تماما كما كان الحال تقريباً بالنسبة للمذياع والهاتف والفاكس، وغيرها من التطورات التقنية الاستراتيجية، إلا أن شغف الناس بالتواصل وتصاعد اهتمامهم بعوالم التسلية والوسائط المتعددة، وتطبيقات الإعلام الاجتماعي، قد فند تلك التوقعات، التي ما لبثت أن تراجعت أمام زيادة الأجهزة على اختلافها، وارتفاع وتيرة إنتاج التطبيقات، وطبيعة تلك التطبيقات المتاحة والمطوّرة، وما رافقها من تطور أجيال الاتصالات، وصولاً إلى الجيل الخامس. ومع كتابة هذه السطور ستكون البشرية قد حسمت أمرها بخصوص مكونات الجيل السادس من الاتصالات وبدأت تفكر في ما بعده.
وقد ساهم الذكاء الاصطناعي في توفير مساحة جديدة هائلة للتطور التقني، حتى أصبح حديث الناس واهتمامها اليوم يتمحور حول أهمية هذه التقنية، وسبل تطورها، خاصة بما يرتبط بميكانيزمات عملها الاصطناعي في بيئة الإعلام الاجتماعي، حتى بت تسمع الناس يقولون في مجالسهم إنهم ما إن أشاروا شفاهة لأمر ما، حتى بات يدرج أمامهم على تلك المنصات معبرين عن ذهولهم جراء ذلك الأمر.
والحقيقة أن اهتمامك الشفوي بأمر ما إنما يكون قد دفعك ولو لمرة واحدة للبحث عنه عبر الإنترنت، وهو ما يدونه جهازك، ويعتبره كافياً لتحديد مواضيع اهتمامك، ولتجد خوارزميات البحث قد رصدت هذا الاهتمام ودونته، ليصبح الموضوع حاضراً مع تصفحك لصفحات التيكتوك والفيسبوك واليوتيوب وغيرها الكثير من التطبيقات، بحيث ترى كل ما يرتبط باهتماماتك من منشورات وأفلام وإعلانات. ومع ظهور تطبيق الـ»تشات جي بي تي» مؤخراً فإن تنامي دور خوارزميات البحث بات أكثر تطوراً وتعقيداً.
هذا التنامي قاد البشرية نحو الاقتناع بأن هناك تطبيقات أكثر أمنا من غيرها، حتى إنني بت أسمع في لقاءات المجالس بعض من يفتي باستخدام تكنولوجيا، أو تطبيق، أو جهاز ما على اعتبار أنها أكثر أمناً من غيرها. وحتى نضع الأمور في نصابها الصحيح فإنني أود التأكيد من جديد على أن أية تكنولوجيا لا تنتجها أنت، لا تستطيع أن تسيطر على حدود الأمن والأمان فيها، وبما أن العالم العربي لا ينتج معظم مكونات التقانة الحديثة فإنه بذلك يفتقد القدرة على وضع ضوابط السيطرة عليها، بل يجد نفسه ومعظم دول العالم الثالث أمام محيط معلوماتي لا أمن ولا أمان فيه.
لذلك آمل أن نقتنع بعدة عوامل في زمن ازدهار التقانات على اختلافها:
1- ما يخرج إلى الفضاء الافتراضي ومهما كانت حجم التطبيقات الواقية والمساندة له، يصبح مشاعاً ولا يخضع لأي نوع من أنواع الأمان.
2- علينا عدم إضاعة الوقت في إقناع الناس بأجهزة وتطبيقات يدعي منتجوها أنها آمنة، ففي عالم الإنترنت لا شيء آمن.
3- مع تزايد إنتاج التكنولوجيا عالمياً سيزداد حجم استباحة البيانات والمعلومات.
المطلوب ليس الابتعاد عن التكنولوجيا حتماً، وإنما الإيمان بأن التعامل معها يستوجب الحيطة والحذر والقناعة بأن ما يخرج للحيز العام إنما جرى على أرضية القناعة بأن أمن ما نشر قد أصبح على المحك.