الكاتب: منار حربية
خمسة وسبعون عاماً من اللجوء والنكبة، خمسة وسبعون انكساراً وخيبة.
تمر السنوات ويمر من فوقها الجرح عابراً آلاف الجروح، تمر الذكرى في ذهن العالم النائم مرورَ الكرام، ولكنها تمر في قلب اللاجئ الفلسطيني وجعاً لا يندمل. ذكرى تهجيره قسراً من بلاده، ذكرى انتزاع الروح من ما يزيد عن 750 ألفَ فلسطيني. إنه اليوم الذي شهد عشرات المجازر بحق الفلسطينيين وهدم أكثر من 700 قرية ومدينة وتحويلها إلى مدن يهودية.
كانت نكبة عام 1948 بداية النكبات التي نفذها الاحتلال في فلسطين. كانت البداية في التهجير القسري مروراً بأبشع المجازر والاغتيالات وغيرها من عمليات قتل واعتقال وقصف وتدمير. هي الأحداث، تتوالى مع مرور السنين. ومع كل ذكرى تمر، تتجدد لدينا مرارة الفقد ونبكي الوطن والعلم، ويأخذنا الحنين إلى قريةٍ لم نرها بأعيننا ولكنها بالقلب نبصرها. مع كل عام يمر، يجرنا الشوق لرؤية بلادنا، بلادِ البرتقال والشمس، بلادِ الطيبة والشهامة ، بلادِ العزة والكرامة. نرسم في خيالاتنا حقولَ القمح والأجداد، ونرى شيخاَ عجوزاً عائداَ من أرضه يجر أذيال الشمس نحو بيتٍ هو " بيته" ، عائداً من الوطن إلى الوطن شامخاً كشموخ حباتِ العرق على جبينه.
أيها العالم النائم, هذا يوم نكبتنا وحدنا، اسمحوا لنا أن ننفردَ بمأساتنا قليلاً ولأن نصلَ في أنانيتنا حد الذروة. اسمحوا لنا أن نشيرَ إلى العالم أجمع بأصابع الاتهام والنكران. كان الاحتلال سبباً في طردنا وبؤسنا، وكنتم جميعكم – بلا استثناء- له عوناً بأن تتعمق مأساتنا ليصبح للخائنِ فيكم وجهة نظر.
هذا يومنا! فأوقفوا مسيراتكم الخجلى والفارغة إلا من تعاستكم. اصمتوا قليلاً وأغلقوا أفواهكم عن كلماتكم الثكلى المليئة بالحروف المرتبكة، لا كلماتكم تسعفنا ولا أبواقاً استأجرتموها تطفئ حريقَ شعبٍ ما زال تحت النيران وفي مخيمات الللجوء يعد أيامَه. نحن بغنىً عن تضامنكم الميت معنا وروحكم المثقلة بعتاد أيامكم ومتاع حياتكم. خبئوا دموعكم وأطفئوا بها زيفَ مشاعركم، فلا أسفَ إلا على وطنٍ يزداد ضياعاً بوجودكم.
إن كنتم تبحثون عما يزين شاشاتكم وحساباتكم الشخصية، فالصورة اليوم في مخيمي تكتمل، بأن تمتلئَ شوارعنا بالقمامة وكأننا نستحق. وأن تموت الخدمات التي أغاثتنا بها " وكالة الغوث" منذ أكثر من مئة يوم وقد يزيد ،وأن تنام العيون عن الهواء الملئ بالخذلان ليدفع اللاجئ الفلسطيني ثمنَ صبره ألماً. وأن يغتال صوته حين يختار أن يدافع عن حقه ، لكم أن تختاروا أكثر الزوايا سواداً لتخبروا العالم أننا ما زلنا على قيد الأمل والحرية !
فالمخيم، هو أن تحمل قضية الوطن على كاهلك وأن ترسمَ البؤس على وجهك كلما مر عربي أو غريب. هو أن يأتي المبعوث الأجنبي فيصطف أطفاله طفلاً تلو الآخر ويلتقط صورهم مع علامة النصر وبعض من آثار عزة تركها الأجداد لحفظ ما بقي من كرامة الأمة. فالمخيم، الآخذ بالضياع، المنسي على أطراف البلاد ، الواقع تحت تهديد الاندثار، الركن الذي يوجع العدو كلما مرّ منه، هو دليلنا نحو العودة و الحق، والبقية الثابتة وإن أعلنوا لهم ألفَ دولة واستقلالاً. فأنا اللاجىء ، صاحب الحق " سأظل أناضل لاسترجاع الوطن لانه حقي وماضيّ ومستقبلي الوحيد… لأن لي فيه شجرة وغيمة وظل وشمس تتوقد وغيوم تمطر الخصب… وجذور تستعصي على القلع."