القدس- معا- منذ 75 عاما كانت المقابر الجماعية لشهداء قرية الطنطورة الذين قتلوا على يد العصابات الصهيونية غائبة عن الأذهان، وبعد عام ونصف العام من التحقيقات المكثفة من قبل مركز "عدالة" ولجنة أهالي الطنطورة ومؤسسة "فروزنيك اركيتكشر" الدولية، جرى التعرف على أربع مقابر جماعية.
واستخدمت خلال التحقيقات أساليب حديثة ومتطورة في البحث عن الأدلة المادية لعلم الآثار والبحث عن الأماكن. بالإضافة إلى تقاطع الشهادات والمعلومات خلال الروايات من قبل أهالي الطنطورة الناجين وذوي الشهداء، وشهادات الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في المجزرة.
واستخدم فريق البحث وسائل تقنية عالية جدا مثل التصوير بالظل وثلاثي الأبعاد، وبالاستناد إلى المباني التي بقيت على شاطئ الطنطورة، إذ جرى إعادة رسم القرية والتعرف بذلك على المقابر الجماعية.
وبحسب التحقيق، فإنه جرى التعرف على أربع مقابر جماعية، قُبر فيها 280 شهيدا من الرجال والأطفال والنساء، وبحسب التحقيق فإن غالبية القتلى كانوا من الرجال.
تروي جيهان سرحان نجلة وصفية الأعمر التي هجرت من قربة الطنطورة إلى الفريديس، في حديث لـ"عرب 48"، بالقول إن "العصابات الصهيونية هاجمت الناس حين كانوا نياما في ساعات الليل، إذ أفرغت البلدة من الرجال من سن 12 حتى 55 عاما، ومن ثم جاءت عمليات الإعدام البشعة في وضح النهار، حيث كان القتل في كل حي وفي كل زقاق في الطنطورة".
وأضافت أن "العصابات جاءت بنية القتل المتعمد وليس فقط بنية إفراغ البلدة، وأكبر دليل أنها لم تكتف بالترحيل أو الأسر، إنما بالإعدام بدم بارد لمجرد أنهم عرب فلسطينيون".
وعبرت سرحان عن شعورها بالحزن والأسى حين تزور قرية الطنطورة المهجرة، وذكرت "يتملكني الشعور بالحزن والأسى، من الصعب أن أتقبل هذا الشعور وخصوصا أن أبناء عائلتي وأقربائي تحت هذه الأرض، حتى عمي محمد إحسان الأعمر، المقبور في هذه المنطقة لا نعرف أين يتواجد قبره بشكل محدد".
الاعتراف بالمجزرة وتحديد المقابر الجماعية
وتابعت "بودي أن أعرف أين كان منزل والدتي ومنزل جدي، لأن هذه الذكريات هي جزء من إحساسي ومن مشاعري المختلطة التي لا تفارقني أبدا. كانت تروي والدتي كم كانت الحياة جميلة قبل النكبة، كم كانت الطنطورة جميلة بأهلها وناسها، وكم كانت متطورة يقبل عليها الناس من خارج فلسطين".
وطالبت سرحان الحكومة الإسرائيلية بتحديد المقابر الجماعية بشكل فوري، وقالت "لنا الحق بأن نعرف أين يتواجد ذوينا الشهداء وأن نقيم لهم الذكرى المشرفة وكذلك الاعتراف بمجزرة الطنطورة بشكل رسمي".
مطالبة بتحديد مساحة القبور وترسيم حدودها
وقالت المحامية سهاد بشارة من مركز "عدالة"، إنه "بعد عرض نتائج التحقيق والتعرف على المقابر الجماعية ستكون المطالبة بتقديم طلب رسمي لتحديد مساحة القبور وترسيم حدودها، ومن ثم إقامة نصب تذكاري لكل مقبرة والسماح لأهالي الشهداء بزيارتها حتى هذه الذكرى خالدة. وهذا احتراما للشهداء وعدم المس بحرمتهم".
وقال موسى حصادية، إنه "كان توجها في السابق إلى رئيس المجلس الإقليمي الكرمل مرتين للتعرف على القبور، وكنت قد اجتمعت معه ولكن حاول التملص أكثر من مرة، لأن الأمر كان سيأخذ منحى سياسيا".
مشاهد قتل بشعة جدا
وروى سامي علي الذي تابع التحقيق وقضية الطنطورة، بالقول إن "العصابات الصهيونية كانت تقتل الرجال بأربع طرق، الأولى إعدام بالرشاش من مسافة قريبة في أجساد الشهداء وتحديدا في القسم العلوي من أجسادهم، إضافة إلى الحرق بالقنابل المشتعلة إذ كانت تلاحقهم بشكل شخصي، وهناك من أعدموا داخل البيوت بالقنابل التي دخلت من النوافذ، كما كانت تقتلهم داخل براميل وتطلق النار عليهم. مشاهد القتل كانت بشعة جدا".
وتحدث عن احتلال الطنطورة قائلا إن "الاحتلال استمر ليومين، والمجزرة كانت عبارة عن يومين ولكنها كانت دموية جدا".
ناج دفنه 120 شهيدا بيديه
وقال كمال مصري وهو حفيد لمهجرين من الطنطورة، إن "الطنطورة بالنسبة لي قطعة من الجنة، كانوا يعيشون فيها حياة آمنة ومطمئنة وكانت أمي تروي لنا الحياة والأعراس والثقافة والدين، وكيف كانت الناس تعيش حياة آمنة".
وروى المصري أن "جدي الذي كان يعمل في دفن الموتى في وقت النكبة روى لي أنه سجل 120 شهيدا قام بدفنهم بيديه، وسجل أسمائهم وهناك من لم يسجل أسمائهم خوفا من أن يقتلوه وينكلوا ممن تبقوا".-عرب ٤٨".