الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

كيف تحوّل إنسانا عاديا إلى رجل آلي؟

نشر بتاريخ: 31/05/2023 ( آخر تحديث: 31/05/2023 الساعة: 12:09 )
كيف تحوّل إنسانا عاديا إلى رجل آلي؟



بقلم: د. صبري صيدم

عندما شاهدنا في طفولتنا أفلام الخيال العلمي، وحرب النجوم، وغرندايزر، وعالم الغد، وغيرها الكثير من البرامج المثيرة، فإننا اعتبرنا تلك البرامج آنذاك بمثابة مغالاة غير مسبوقة في استشراف المستقبل حتى ضحك البعض منا مستهزئا، بينما حلق البعض الآخر في عالم الأمنيات بأن يصبح الخيال حقيقة.

ومع ولادة الإنترنت والهواتف المحمولة الذكية والإعلام الاجتماعي والتطبيقات الإلكترونية الهاتفية وغزو الفضاء والذكاء الاصطناعي والرحلات التجارية خارج الأرض وتقنيات النانو وتخليق الخلايا الجذعية وأنظمة التحكم والتشغيل المختلفة والمنازل الذكية والطاقة النظيفة، فقد قارب الحلم أن يصبح حقيقة.

ومع توالي الحروب والكوارث، وتعزيز مفاهيم المراقبة الدائمة للجميع، ورصد حركة البشر ووسائل النقل وحتى حركة الطيور والحيوانات عبر أنظمة تحديد المواقع العالمية بدقة والمعروفة بالجي بي أس، فقد تعززت القناعة لدى ملايين البشر بوجود نوايا عالمية لرصد الجميع وإخضاعهم للرقابة المستدامة.

ومع انتشار وباء كورونا وحالة الذعر البشرية التي سادت العالم والإصرار على إيجاد لقاح عاجل لتفادي الوباء والإجهاز عليه وتنامي الحديث عن غرسات إلكترونية تزرع في أجساد البشر بحجة التحقق من تلقيهم المطاعيم المطلوبة، فقد تعززت القناعة بوجود مؤامرة دولية تهدف إلى توظيف تلك الغرسات لمراقبة الجميع والتحكم بتصرفاتهم وإخضاعهم للتتبع الدائم ورصدهم استخباريا.

اليوم يعود صاحب شركة تويتر آلون ماسك والذي يصفه البعض بالحالم المجنون، ورجل الاستعراضات الفارغة، ليعلن عن قيام إحدى شركاته التي تحمل اسم «نيورولينك» بإطلاق غرسة إلكترونية في دماغ البشر لا يتجاوز قطرها ثمانية ميليمترات. وحسب ماسك، فإن الغرسة المقترحة ستوفر التالي:
1- التحكم الكامل في الحواسيب والأجهزة المحمولة وغيرها من الآلات باستخدام أفكار البشر لا أوامرهم، إذ يكفي أن تفكر بنية التحكم بجهاز ما حتى ينفذ الأخير أوامرك فورا.
2 – علاج العمى وتقوية السمع والبصر وعلاج الشلل الرعاشي ومرض الزهايمر والخرف وأيضا علاج الاكتئاب والأرق.
3 – معرفة درجة الحرارة من حول الشخص وقياس الضغط والسكر وغيرها.
4-تسجيل جميع الأحداث اليومية وإعادة مشاهدتها.
5- نسخ الذكريات الشخصية ومسحها.
أما طريقة تركيب الغرسة وحسب ماسك إنما تتم باستخدام الروبوت الذي يفتح جزءا صغيرا من دماغ الإنسان، ويربط الأقطاب الكهربائية المتصلة بالغرسة والشبيهة بالخيوط بمناطق معينة من الدماغ، ويخيط الثقب. هذا الإجراء والكلام لماسك سيستغرق 30 دقيقة فقط، يخضع قبلها الزبون إلى تخدير موضعي ولن يتطلب تخديرا كاملا، وسيتمكن المرضى من العودة إلى المنزل في اليوم نفسه.

ويضيف ماسك بأن عمل الشريحة إنما يعتمد على تلك الخيوط المرنة الدقيقة والأقطاب الكهربائية الموجودة في نهاياتها والتي تقوم بدورها بقراءة الإشارات الدماغية المختلفة لتترجمها بعد ذلك إلى أوامر تتحكم في الأجهزة من حولنا كالحاسوب والهواتف الذكية، ووظائف الجسم، مثل حركة العضلات وغيرها.

ورغم النتائج السلبية لفحص تلك الغرسة عام 2022 إثر تجربتها على القرود واحتجاج العالم على ذلك مطلع العام 2023، إلا أن ماسك لم يتأثر بهذه الاتهامات (حسب صحيفة واشنطن بوست)، لتقوم نيورولينك بتطوير تلك الغرسة والسعي للحصول على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). وقد أراد ماسك التأكيد على أن الغرسة آمنة للاستخدام البشري عبر أفلام ترويجية معينة، لكن العالم وحتى تاريخه ما زال يرفض تقبل المبدأ برمته.

لكن هذا الأمر لن يصمد حتما، بل لن يصمد طويلا خاصة مع التركيز على دور الغرسة في معالج السمنة والعجز ومصائب الناس الصحية وكوارثها البدنية وأمراضها المزمنة، ليصبح عندها الأمر مغريا بطريقة تحفز البشر على تقبل التعامل معه والإقبال عليه، وليصبح الحلم حقيقة.

وبما أن عمل الغرسة لا يبدو محدودا، وفي ظل وجود سبل تحكم متعددة بصورتها المباشرة والغير المباشرة فإن آفاق ذلك التحكم لن تعرف حدودا وهو ما قد يصل إلى تسيير الإنسان والتأثير في أوامره والتحكم بقراراته والسيطرة على مزاجه وفكره وأسلوبه وأخلاقه وهو ما سيسهل تحويل الإنسان إلى رجل آلي.

إنني وإذ أكتب هذه الكلمات ليس من باب الاحتجاج أو التخويف لأحد لأشعر وبقناعة بالغة بأن هذا الأمر سيصبح حقيقة لا محالة، خاصة وأن نسق تتابع الأمور دوليا وتاريخيا قد حول الناس من الخوف من المجهول والمتغير وكل شيء جديد إلى مساحة التقبل والإذعان خاصة مع توسع انتشار التكنولوجيا وتقبل الناس لها. لذلك لا شيء مستحيل، وما سنضحك بخصوصه اليوم سيصبح حقيقة غدا. ننتظر ونرى!