الكاتب: محمود شقير
بأسلوب سردي من السهل الممتنع، وبلغة خبرية سلسة وتشويق غير منقوص يكتب الأديب جميل السلحوت رواية تنويرية مكرسة لفضح الجهل، الذي يعشش في رؤوس بعض قطاعات من الشعب، ويجعلهم فريسة سهلة لأطماع الفتاحات والفتاحين الدجالين الذين يسخرون مهاراتهم في الخداع للتربح غير المشروع من أناس اضطرتهم عثرات الزمان إلى اللجوء إلى هؤلاء الدجالين.
نلتقي في هذه الرواية الاجتماعية بنموذجين من هؤلاء؛ الحاجة مبروكة التي تجد فرصتها للاستثمار في عجز موسى عن القيام بواجب الليلة الأولى تجاه عروسه ليلى، وأبي ربيع الذي لا يقل سفالة عن مبروكة في استغلاله لبسطاء الناس حدّ التعدي على نسائهم تحت وهم تقديم العلاج الناجع لهن.
وفي ظني أن هذا الجهل الذي يستحكم في بعض الرؤوس نابع من التدين الشعبوي السطحي المؤسس على فهم مغلوط للدين، ما يجعل زعزعته وهز كيانه غير متيسر بالسهولة المتوقعة، ففي سياق السرد الروائي ثمة استخفاف وعدم اقتناع من ليلى وصبحة وعمر وآخرين بالقدرات الخارقة المنسوبة إلى مبروكة، وثمة تشكيك واضح في ما تفعله، ومع ذلك ظلت أمّ موسى وزوجها على قناعة راسخة بقدرات مبروكة، في حين ظل موقف موسى نفسه ملتبسًا، بل هو أقرب إلى تمكين مبروكة من الاستمرار في مساعيها الخادعة، وظل الاعتماد عليها وعدم التفكير بزيارة أي طبيب هو المعول عليه.
بالطبع، وبالنظر إلى الدور التنويري للرواية فإن هذا الخداع لن يستمر، وهنا ينهض عمر شقيق ليلى بالدور الحازم الذي يأخذ زمام المبادرة لفضح الدجل ومعاقبة الدجالين، ما يضطر مبروكة إلى الرحيل من القرية التي كانت تقيم في أحد بيوتها، لتبتعد عن عمر وعن كل ما يمثله من فضح لها ولأمثالها.
أمّا موسى؛ فإنه وبعد طلاقه من ليلى، يختار الهجرة من البلاد؛ لكي يبتعد عن التدخل في خصوصياته، هذا التدخل الذي كان سببًا في توتره النفسي الذي أسهم في حالة العجز التي وقع فيها في الليلة الأولى لزواجه، ثم تفاقمت هذه الحالة مع استمرار التدخلات.
لفتت انتباهي قضيتان جاءتا في صالح الرواية؛ لتؤكدا منهجها التنويري الإصلاحي، الأولى متمثلة في استثمار براعة أبي ربيع في الخداع مقابل وعد من غادة بتمكينه من جسدها، إذا ما خلصها من فضيحة فقدها لبكارتها. وقد قام بالدور على أكمل وجه، ما نجى غادة من الفضيحة وربما من الذبح، وما جعل غادة ترفض إنفاذ وعدها له لأن فيه مساسًا بشرفها.
والثانية لها علاقة بمصير مبروكة، إذ لم تلجأ الرواية إلى الانتقام في حدّه الأقصى، وذلك بأن يسرت لمبروكة علاقة برجل أرمل لديه أطفال، قد تسفر عن زواج، ما يتيح لمبروكة وضعًا يغنيها عن استغلال جهل البسطاء من الناس، وهدر أموالهم من دون طائل.
جاءت الرواية في 199 صفحة من القطع المتوسط، وهي صادرة من مكتبة كل شيء الحيفاوية عام 2023. على غلافها الأول لوحة للفنان التشكيلي الأديب محمود أحمد شاهين، تصميم: شربل إلياس، وعلى الغلاف الأخير كلمة معبّرة للروائي المقدسي عبد الله دعيس.