بقلم: د. صبري صيدم
أعتقد أن العالم العربي قد شبع الشعارات والعنتريات والتضخيم والتهويل، عندما توجه وغيره من شعوب الأرض المكلومة نحو الإعلام الاجتماعي بشراهة وكثافة كبيرين، من حيث الإقبال والاشتراك، فبات الناس لصيقي أجهزتهم الهاتفية النقالة بحثاً عن الحقائق والخفايا ومساحة يفتقدونها من حرية الرأي.
ومع توسع قاعدة مستخدمي الفيسبوك ما بعد عام 2004 وهو تاريخ ميلاد الفيسبوك، تدفق الناس بعددهم وعتيدهم باحثين عن حرية الرأي الموعودة، وليتعزز هذا النهج في الأعوام اللاحقة، خاصة مع ولادة تويتر وسناب تشات ويوتيوب وأنستغرام وواتساب وتلغرام وتيك توك وغيرها الكثير.
وقد ساهمت هذه المنصات في حقبة ما في رفع سقف الحريات لتفتح الباب أمام النقاش العام والخاص والحوار المدعوم بحماية كبيرة للهوية الشخصية لأصحابه، وهو ما عزز شراهة الحضور والتفاعل والتواصل والذم والانتقاد لدى البعض.
ومع امتلاكها لقواعد بيانات ضخمة، لجأت بعض منصات الإعلام الاجتماعي إلى بيع البيانات الشخصية، التي تعود لمشتركيها، لشركات خاصة ووكالات استخباراتية مقابل مبالغ فلكية، ساهمت في توجيه الرأي العام، وتغيير البوصلة السياسية، وصنع مسارات اقتصادية واجتماعية جديدة.
وبعد أن أحكمت بعض تلك المنصات السيطرة على المعلومات، عادت لتشكيل مجالس استشارية تتكون عضوية البعض منها من عسكريين ووزراء سابقين وشخصيات مرموقة، لتكون في مجملها بمثابة الغطاء الذي تسلحت به تلك المنصات لتضييق الحريات وتكميم الأفواه ضمن مستويات مختلفة.
فيسبوك الذي بات يعتبر اليوم التطبيق المخصص للجيل الأكبر سناً من المستفيدين، لم يكن استثناءً، بل ربما يكون النموذج الأكثر سطوعاً في عالمي التقييد والحجب، خاصة لما بتنا نعيشه من تراجع ملحوظ عن تعميم المنشورات على الأصدقاء، وإزالة البعض منها صراحة واتخاذ إجراءات عقابية دونما رقابة أو حتى تمكين المشترك من الاحتجاج أو الاستنكار، كل ذلك تحت حجة: مخالفة المنشور لسياسات فيسبوك، بل في بعض الأحيان يؤخذ القرار بالتقييد دونما إبلاغ لأصحاب العلاقة.
هذا التراجع والتقهقر في مستويات الحريات المزعومة، شجعني للطلب من أحد الأصدقاء الذين تربطه علاقة بموظفي الفيسبوك أن يستعلم عن الأمر، فجاء الجواب مقراً بأفعال الفيسبوك المذكورة تحت الادعاء بأن الأمر ليس سياسياً، وإنما هو مالي بحت كون الفيسبوك بحاجة لرفع نسب الدخل عبر تحفيز مشتركيه على دفع المال مقابل توسيع دائرة توزيع المنشورات للأفراد والمؤسسات من مشتركيها، كلام يحتاج للتوضيح من القائمين على تطبيق الفيسبوك لا معاقبتي أنا شخصياً بحجب حسابي أو تقييده!
لقد خلقت تطبيقات الإعلام الاجتماعي مساحات أكبر للحريات، لكنها عادت وانكفأت أمام نوازع سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية وثقافية واستخباراتية، وخدمة لبعض الدول المتسلطة المتعالية، فهل نرى تعديلاً لهذا النهج؟ أم عزوفاً عن بعض التطبيقات «المتهمة» وهجرة المشتركين إلى تطبيقات أخرى تضمن لهم مساحات الحرية المطلوبة؟ ننتظر ونرى!