بقلم: د. صبري صيدم
على كرسي التحقيق جلس مؤخراً عمالقة السياسة الذين توارت شمسهم، وأفلت نجوميتهم، بفعل غرورهم وجشعهم وعشقهم للسلطة المطلقة. ضحايا التعالي والاعتداد بالنفس وجنون العظمة، لم يجدوا جيش المتعاطفين الذي صفق لهم يوم تبوئهم كراسي الحكم. فالبعض سئم مغامراتهم وطموحاتهم ونوازعهم، بينما هجرهم البعض الآخر بعدما ضعفوا وخارت سلطتهم على قاعدة بشرية غريزية عامة قائمة على مبدأ: بعيدٌ عن الكرسي، بعيدٌ عن القلب. وبين هذا وذاك وقف جمهور المؤيدين مستغربين، متعجبين متسائلين: هل ما يحدث حقيقة؟ أم بتنا عالماً ثالثاً؟ أم حكماً شمولياً؟ أم لهثنا وراء الأشخاص الخطأ، تجار الوهم والعنتريات؟ أم أن هؤلاء يواجهون اغتيالاً معنوياً أم إعداماً عبر الرمي بالتهم؟ أم أننا بالفعل أمام مدرستين فكريتين متناحرتين على كرسي السلطة؟
أياً كان الجواب فإنه لن يغير من الحقيقة الصعبة لأصحاب العلاقة وجمهورهم ممن ما زالوا يصلون لعودة هؤلاء إلى سدة الحكم، فهل نحن أمام مجزرة سياسية؟ أم تصفية حسابات شخصية؟ أم مسرحية تراجيدية رخيصة؟ ورغم اختلاف الدوافع وراء ملاحقة هؤلاء قانونياً، إلا أن الكذب وإخفاء المعلومات وتضليل العدالة وإساءة استخدام السلطة.. كلها شكلت قواسم مشتركة بين المتهمين! المتهمون أنفسهم ورغم دفاعهم عن ذاتهم، إلا أنهم لا ينكرون التهم، ولا يحاولون نقاشها، وإنما يصرون على اعتبار ملاحقتهم سياسية، وأنها قائمة على الحقد والغيرة والخصومة الانتخابية، وأن مجريات الأمور لا علاقة لها بالعدالة، وإنما بضغائن سياسية قائمة على السعي المحموم للإقصاء الممنهج.
وبما أن نار المنافسة السياسية مستعرة أصلاً، فإن حجج المتهمين إنما وجدت طريقها لصدور جماهيرهم، والذين ساهموا بدورهم في تبرير فعائل محبيهم، من دون الدخول في تفاصيل التهم ذاتها، أو محاولة شرحها.
أياً كانت طرائق التعامل مع ملفات المتهمين، فإننا حتماً أمام عصرٍ جديدٍ من المنافسة السياسية التي باتت تتسلح بأنيابٍ ومخالب أكثر بطشاً، ليس قناعة مني ببراءتهم (معاذ الله) بل لشعور شخصي بأن سرعة الملاحقة وكثافتها ربما يحمل طابعاً جديداً يؤهله للتشبه بما يجري في العالم الثالث.
ومع هذا وذاك، فإن ثقل المتهمين وعنادهم إنما يساهم في ترسيخ القناعة المتصاعدة بأن مستقبلهم السياسي لم ينته بعد… فهل نرى عودة الرئيس المهرج دونالد ترامب ورئيس وزراء بريطانيا المخلوع بوريس جونسون إلى السلطة؟ ننتظر ونرى!