بقلم: د. صبري صيدم
ابتليت البشرية بثلاثي الطيش السياسي الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو وحليفيه إيتمار بن غفير وبتسئيل سموتريتش، الذين تسكنهم القناعة مجتمعين وصبيحة كل يوم بضرورة اختراع المزيد من الخطوات العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، حتى أن قريحتهم باتت حبلى بالأفكار، من العودة إلى تطبيق حكم الإعدام للناشطين الفلسطينيين إلى تدفيع الأسرى ثمن علاج أسنانهم، وما بين هذا وذاك من جرائم قيد الإعداد وقيد التنفيذ. قريحة غزيرة في إنتاج الأفكار العنصرية اليومية على أمل أن يستفيق ثلاثي الطيش هذا فيجد الفلسطينيين وقد حزموا امتعتهم واصطفوا في المعابر والموانئ والمطارات تمهيداً للهجرة النهائية والهروب من جحيم الاحتلال إلى نعيم الشتات.
إن سرعة وكثافة العمليات الميدانية الإسرائيلية بتعدد أشكالها وتصاعد وتيرتها، تؤكد سيناريو الترحيل المنشود، لكنها أيضاً تمثل دليلاً قاطعاً على فشل 75 عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لم تنجح خلاله أعتى حكومات الاحتلال من أن تطمس الهوية الفلسطينية، أو أن تهجّر أصحاب الحق، لذلك يتسابق الصهاينة اليوم في حربهم على الشعب الفلسطيني، حرب التنكيل المرجوة وبماراثون إجرامي غير مسبوق، مستفيدين من انحياز الإدارة الأمريكية وتزلفها للوبي الصهيوني في أمريكا طمعا بدعمه لها في الانتخابات المقبلة، وصمت أوروبا المخجل وانبطاح بعض العرب المطبعين، المنشغلين باسترضاء نتنياهو بخطوات انهزامية ابتذالية إذلالية كبيرة.
وبين هذا وذاك يبرز السؤال الأوحد لحكومة الاحتلال والعالم بأسره: إسرائيل قتلت حل الدولتين، وترفض مبدأ الدولة الواحدة، إذن، ما الذي تفكر فيه بخصوص سيناريوهات المشهد، خاصة أمام شعب متمنع عنيد ومقاتل مرّ كالشعب الفلسطيني؟ النفي إلى المريخ؟
الحقيقة أن إسرائيل تخوض المواجهات اليوم مستخدمة أدوات الأمس وعلى أرضية القناعة بأن كثافة الضغط ستقود إلى الترانسفير الطوعي للفلسطينيين بعد أن تضيق حياتهم وتنحسر مساحة الأمل، لكن العملية العسكرية الأخيرة في جنين وتحديداً بتاريخ 19حزيران/يونيو أظهرت تطوراً في أساليب المقاومة الفلسطينية وانتقالها إلى مربعات الإيلام والاستماتة، ما سيجعل التفكير في ما سمي بعملية السور الواقي 2 تفكيراً مختلفاً وبأدوات مختلفة.
لقد قدمت تلك المناورة الفاشلة وما أرادته إسرائيل من تسخين ميداني، دليلاً قاطعاً على أن الفلسطيني ما زال يحمل الجاهزية الحميمية والمتصاعدة ذاتها للدفاع عن أرضه وعرضه وعمره، لاسيما وأنه اكتشف بشاعة المخططات المقبلة، وإصرار الاحتلال على قتله وإزاحته ودفعه إلى الزاوية، وهو ما يؤسس لقواعد اشتباك جديدة قائمة على أرضية القناعة بأن مبدأ الاستفراد الجغرافي لن يمر، وأن الضرب بيد من حديد لن يقابل إلا بالمثل.
ومع هذه المقابلة بالمثل سيسقط صمت العالم الذي سيجد نفسه مكرهاً لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي على أرضية تصفيره لا ترحيله، أو تبنيجه أو تأجيله. ولو أرادت إسرائيل رفع وتيرة عدوانها فإن تغيراً إضافياً سيحصل من جديد لا بمستوى حدة المقاومة فحسب، بل أيضاً في الأدوات وطريقة الرد وشكله الذي من المحتمل أن يعيد إلى الأذهان صوراً من التاريخين القريب والبعيد في آن واحد.
إن محاولات إسرائيل قتل الحلول وتضييق الدوائر وقطع المفاصل وعصر القلوب لن تقابل إلا بفعل فلسطيني موازٍ في القيمة ومعاكس في الاتجاه، في تكرار واضح لمسيرة الشعوب في معارك تحررها. أما الفلسطيني فلن يقبل لا المريخ ولا حتى زحل، فهل هناك من سيركب لحكومة الطيش والجيش عقلاً؟ أم أنها ستستمر في تغليب منطق القوة على قوة المنطق؟ ننتظر ونرى..