بقلم: د. صبري صيدم
لا يتردد أبطال المشهد الصهيوني اليوم في التفاخر بالقتل، خاصة مع تصريحات إيتمار بن غفير الأخيرة، التي تباهى فيها بأن حكومة نتنياهو العنصرية قتلت 120 فلسطينياً منذ بداية العام، إذ نقل موقع «والا» العبري يوم 27 حزيران/يونيو من هذا العام وعلى لسان وزير القتل المذكور: في هذه الحكومة قتلنا 120 فلسطينياً في الأشهر الستة الماضية، وسيكون هناك المزيد في المستقبل، وهناك حاجة إلى المزيد، بل إن الجمهور يريد منا المزيد ونحن قادرون على ذلك».
الفلسطينيون وحسب بن غفير، كأي مخلوق لا قيمة له، إلى هذا الحد وصلت الوقاحة والعنصرية والانحطاط، وإلى هذا الحد وصل انحدار المطبعين المنبطحين المتزلفين، الذين باتوا يقبلون بهذا التقهقر القيمي والبجاحة الأخلاقية، فلم تعد تؤثر فيهم كلمات كهذه من عنصريين حاقدين، ولا أفعالهم، ولا جرائمهم التي طالت الآمنين من نساء وأطفال وشيوخ وعجزة وذوي احتياجات خاصة.
ولو أن القدر قد شاء أن استبدلنا الأدوار وأطلقنا تصريحات كهذه ضد الإسرائيليين لجاءنا جيش الدبلوماسيين والساسة والبرلمانيين الأجانب الموالين لدولة الاحتلال، والباحثين عن رضاها، ليعبروا لنا عن سخطهم واستنكارهم لتصريحاتنا، ملوحين لنا بقطع التمويل عن مؤسساتنا الوطنية، مؤكدين أننا قد خرجنا عن المعقول في ما نقول، وأننا سندفع الثمن غالياً. أما بياناتهم بخصوص ما قيل، فإنها وبعد الشجب والاستنكار والتعبير عن القلق والإدانة، بأشد العبارات، ستنتقل حتماً إلى السطر المفضل الذي سيدعون بموجبه الطرفين إلى ضبط النفس والعودة إلى الحوار، ضمن عقلية صماء قائمة على المساواة بين الجلاد والضحية.
ومع هذا النسق من الخطوات فإن التصرف الدولي والعربي المنبطح وبهذه الصورة، إنما سيشكل بالنسبة للإسرائيليين فرصة ذهبية لاستكمال مشروعهم الإبادي القائم على قتل الفلسطينيين وسرقة أرضهم والاستفراد بهم وتنفيذ مشروعات القتل والتهجير والترحيل والإزاحة والقضم والنهب والمصادرة.
كل هذا بصمت سمح لأرباب العنصرية بقول ما قالوه وبفعل ما فعلوه، من دون مواقف ملموسة تكبح جماح إسرائيل وجيشها الممعن في توفير الغطاء لجموع المستوطنين المرتزقة، الذين يعتبرون أن اللحظة الذهبية التاريخية قد حانت بعد عقود من الإعداد والتجهيز والتحضير لها. لحظة يتغول فيها المستوطن على الفلسطيني بعد أن كان يخشى مجرد المرور بجانبه.
لقد أصبح تسليح المستوطنين الصهاينة أسهل بقرار الحكومة الحالية، وعددهم أكبر بفعل الحكومات الصهيونية المتتابعة، وحملات استيرادهم أسرع وأضخم، وهو ما يجعل من هجومهم أمراً متوقعاً في ظل حكومة لا تتوانى في توفير الدعم المادي لهم، وشراء خدمتي القتل والحرق منهم.
سلاح المرتزقة لا بد أن يقع بأيدي الفلسطينيين، وجرائمهم لن تكون إلا وازعاً لردات انتقامية، تصاعدية، متدحرجة ستثبت أن عالم الارتزاق الصهيوني المستفيد من صمت العالم وتواطئه لن يدوم، وأن التاريخ لن يرحم المتخاذلين المنبطحين، وأن العنف لن يولد إلا العنف، وأن الثبات لمن يصمد في معركة عض الأصابع.. فهل نرى تغيراً استراتيجياً في الحرب على المستوطنين؟ وعلى وزير القتل ومن معه؟ ننتظر ونرى!