وثيقة الاستقلال .. العقدة الصعبة في منشار الحوار لتشكيل الحكومة!
نشر بتاريخ: 13/03/2006 ( آخر تحديث: 13/03/2006 الساعة: 22:59 )
بيت لحم - معا - يبدو ان وثيقة اعلان الاستقلال الفلسطيني التي تم اقرارها في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في الجزائر عام 1988 ستكون المفصل الاساسي في التوافق الفصائلي مع حركة حماس لتشكيل الحكومة القادمة وقد تكون القنبلة التي تفجر الموقف وتباعد المسافات وتؤدي للفرقة وعدم الائتلاف.
فمن جانبه راى عزام الاحمد رئيس كتلة فتح في التشريعي ان مشاركة حركته في الحكومة القادمة مرهون بالبرنامج السياسي وخاصة فيما يتعلق بوثيقة اعلان الاستقلال معتبرها امرا جوهريا لان وثيقة الاستقلال جاءت نتيجة توافق وطني وشكلت تاريخيا حالة اجماع من كافة فصائل العمل الوطني "ولا يحق لاحد ان ينسف حالة الاجماع وان اراد ذلك فلا ينتظر ان يتبعه الاخرون".
واضاف الاحمد ان حركة فتح لم ولن تطالب من حركة حماس الاعتراف باسرائيل ومن يدعي ذلك من باب الدعاية والترويج عليه ان يجد لنفسه لعبة اخرى فالشعب الفلسطيني قادر على قياس الامور والحكم عليها ونحن جنود لدى هذا الشعب سواء كنا في السلطة او كنا في المعارضة.
من جانبه قال صلاح البردويل الناطق باسم كتلة حماس في المجلس التشريعي لمعا" ان قضية وثيقة الاستقلال لا يمكن ان تستوعب في البرنامج الحكومي من قبل حركة حماس لانها تعترف بتقسيم فلسطين واقامة دولتين واعتراف ضمني بدولة الكيان (اسرائيل) وهذا يتناقض مع البرنامج السياسي والانتخابي لحماس ويناقض استراتيجيتنا وفلسفتنا مما يتطلب من الجميع تفهم ذلك ."
واعتبر البردويل النقاط الخلافية الاخرى قابلة للتوافق وفيما يتعلق بمنظمة التحرير فهناك توافق على اعادة صياغتها وهيكليتها وفق اتفاقات واجتماعات القاهرة التي اجمعت كافة الفصائل عليها وكذلك البرنامج الاجتماعي والتعددية السياسية وحتى البرنامج الاقتصادي مضيفا :"اتفقنا على النظام المختلط الذي يعطي الفرصة للقطاع العام والخاص".
وكشف البردويل عن امكانية تجاوز موضوع الاتفاقيات السياسية السابقة التي وقعتها الحكومات المتعاقبة في السلطة وكذلك قرارات الشرعية الدولية ستكون صيغتها موضع رضا وبطريقة لا تنص على الاعتراف باسرائيل.
من جانبه قال جميل مجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لـ معا:" ان وثيقة الاستقلال من القضايا المتباين عليها مع الاخوة في حماس ونحن طالبنا بان يشمل برنامج الحكومة الوثيقة كمرجعية سياسية وطنية للبرنامج السياسي".
واضاف المجدلاوي:" اننا قد نكون قريبين سياسيا لحماس بحكم التماثل في رفض اتفاقات اوسلو ونحن مع الشراكة التي لا تعني فقط الاتفاق على البرنامج والبيان بل تعني شراكة في هيكلية الحكومة واليات اتخاذ القرار بما يضمن مشاركة في اتخاذ القرارات ورسم السياسات ومتابعة تنفيذها".
وكان الرئيس الراحل ياسر عرفات اعلن وثيقة الاستقلال خلال الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام ثمانية وثمانين, وفيما يلي النص الكامل للوثيقة التي صاغها الشاعر محمود درويش :
وثيقة إعلان الاستقلال:
على أرض الرسالات السماوية إلى البشر، على أرض فلسطين ولد الشعب العربي الفلسطيني، نما وتطور وأبدع وجوده الإنساني عبر علاقة عضوية، لا انفصام فيه ولا انقطاع، بين الشعب والأرض والتاريخ.
بالثبات الملحمي في المكان والزمان، صاغ شعب فلسطين هويته الوطنية، وارتقى بصموده في الدفاع عنها إلى مستوى المعجزة، فعلى الرغم مما أثاره سحر هذه الأرض القديمة وموقعها الحيوي على حدود التشابك بين القوى والحضارات. من مطامح ومطامع وغزوات كانت ستؤدي إلى حرمان شعبها من إمكانية تحقيق استقلاله السياسي، إلا أن ديمومة التصاق الشعب بالأرض هي التي منحت الأرض هويتها، ونفخت في الشعب روح الوطن، مطعما بسلالات الحضارة، وتعدد الثقافات، مستلهما نصوص تراثه الروحي والزمني، واصل الشعب العربي الفلسطيني، عبر التاريخ، تطوير ذاته في التواجد الكلي بين الأرض والإنسان على خطى الأنبياء المتواصلة على هذه الأرض المباركة، على كل مئذنة صلاة الحمد للخالق ودق مع جرس كل كنيسة ومعبد ترنيمه الرحمة والسلام.
ومن جيل إلى جيل، لم يتوقف الشعب العربي الفلسطيني عن الدفاع الباسل عن وطنه ولقد كانت ثورات شعبنا المتلاحقة تجسيداً بطوليا لإرادة الاستقلال الوطني.
ففي الوقت الذي كان فيه العالم المعاصر يصوغ نظام قيمة الجديدة كانت موازين القوى المحلية والعالمية تستثني الفلسطيني من المصير العام، فاتضح مرة أخرى أن العدل وحدة لا يسير عجلات التاريخ.
وهكذا انفتح الجرح الفلسطيني الكبير على مفارقة جارحة: فالشعب الذي حرم من الاستقلال وتعرض وطنه لاحتلال من نوع جديد، قد تعرض لمحاولة تعميم الأكذوبة القائلة "إن فلسطين هي أرض بلا شعب" وعلى الرغم من هذا التزييف التاريخي، فإن المجتمع الدولي في المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم لعام 1919، وفي معاهدة لوزان لعام 1923 قد اعترف بأن الشعب العربي الفلسطيني شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى، التي انسلخت عن الدولة العثمانية هو شعب حر مستقل.
ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، أثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947م، الذي قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية،فإن هذا القرار مازال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.
إن احتلال القوات الإسرائيلية الأرض الفلسطينية وأجزاء من الأرض العربية واقتلاع غالبية الفلسطينيين وتشريدهم عن ديارهم، بقوة الإرهاب المنظم، واخضاع الباقين منهم للاحتلال والإضطهاد ولعمليات تدمير معالم حياتهم الوطنية، هو انتهاك صارخ لمبادئ الشرعية ولميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، بما فيها حق العودة، وحق تقرير المصير والاستقلال والسيادة على أرضه ووطنه.
وفي قلب الوطن وعلى سياجه، في المنافي القريبة والبعيدة، لم يفقد الشعب العربي الفلسطيني إيمانه الراسخ بحقه في العودة، ولا إيمانه الصلب بحقه في الاستقلال، ولم يتمكن الاحتلال والمجازر والتشريد من طرد الفلسطيني من وعيه وذاته- ولقد واصل نضاله الملحمي، وتابع بلورة شخصيته الوطنية من خلال التراكم النضالي المتنامي.
وصاغت الإرادة الوطنية إطارها السياسي، منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، باعتراف المجتمع الدولي، متمثلاً بهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها والمنظمات الإقليمية والدولية الأخرى، وعلى قاعدة الإيمان بالحقوق الثابتة، وعلى قاعدة الإجماع القومي العربي، وعلى قاعدة الشرعية الدولية قادت منظمة التحرير الفلسطينية معارك شعبها العظيم، المنصهر في وحدته الوطنية المثلي، وصموده الأسطوري أمام المجازر والحصار في الوطن وخارج الوطن. وتجلت ملحمة المقاومة الفلسطينية في الوعي العربي وفي الوعي العالمي، بصفتها واحدة من أبرز حركات التحرر الوطني في هذا العصر.
إن الانتفاضة الشعبية الكبرى، المتصاعدة في الأرض المحتلة مع الصمود الأسطوري في المخيمات داخل وخارج الوطن، قد رفعا الأدراك الإنساني بالحقيقة الفلسطينية وبالحقوق الوطنية الفلسطينية إلى مستوى أعلى من الإستيعاب والنضج، وأسدلت ستار الختام على مرحلة كاملة من التزييف ومن خمول الضمير وحاصرت العقلية الإسرائيلية الرسمية التي أدمنت الإحتكام إلى الخرافة والإرهاب في نفيها الوجود الفلسطيني.
مع الانتفاضة، وبالتراكم الثوري النضالي لكل مواقع الثورة يبلغ الزمن الفلسطيني أحدى لحظات الإنعطاف التاريخي الحادة وليؤكد الشعب العربي الفلسطيني، مرة أخرى حقوقه الثابتة وممارستها فوق أرضه الفلسطينية.
واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعا عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقا من قرارات القمم العربية، ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1947، ممارسة من الشعب العربي الفلسطيني لحقه في تقرير المصير والاستقلال السياسي والسيادة فوق أرضه.
فإن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، تصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش .