بقلم: د. صبري صيدم
لم يعد خافياً على أحد تطور الخلاف الروسي الأوكراني بكامل تفاصيله وصولاً إلى الحرب على أساسيات الحياة من طاقة وغذاء، إلى أن تطورت الأمور اليوم إلى ما يشبه حرب «سنبلة القمح».
فالحد من صادرات أوكرانيا من الحبوب شريان حياتها الأساس، هذه الأيام، إما بفعل النتائج المباشرة للحرب، أو بفعل النتائج غير المباشرة لها، سيعني أن حرب «السنبلة» هذه ستتفوق من حيث تبعاتها على الدبابات وصنوف السلاح المستخدم، وستساهم لا محالة في حسم نتائج هذه الحرب.
لكن حرب القمح لن تكون الوحيدة في تعقيد المشهد، إذ أن دخول الأرز على الخط من خلال الدول المنضوية تحت راية تحالف البريكس، الذي يضم الهند وروسيا وغيرهما، سيعني أننا أمام تعميق حرب الغذاء، ما سيعني التعجيل في إنهاء الحرب لصالح الدب الروسي.
ولعل مشاهد تهافت الناس على شراء الأرز من المحال التجارية الأمريكية، التي انتشرت على منصات الإعلام الاجتماعي مؤخراً، وخشية المجتمع الأمريكي وبعض حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية من تناقص مخزونات الأرز لديها، ستساهم في تصاعد الضغط الشعبي وصولاً إلى الضغط على أوكرانيا ذاتها لدفعها قدماً لإنهاء حرب الجبهات، والإذعان لإرادة موسكو في عدم الانضمام لحلف الناتو، بالإضافة إلى مطالبها الأخرى.
حرب «السنبلة»، إن صح التعبير، سيكون لها الأثر الكبير في حسم الأمور ميدانياً وستشكل تكاملاً واضحاً مع الحرب العسكرية القائمة، ما يعني، حسب الخبراء، أن خريطة العالم السياسية الجديدة ستصاحبها ولادة خريطة غذائية أكثر تعقيداً.
ولعل جنوح موسكو نحو طمأنة الدول التي تتحالف معها بتوفير احتياجاتها من القمح لهذا العام، يشكل مساحة فرز غذائي إضافية تساهم في تعظيم حرب «السنبلة» في مقابل الدبابة.
ومع تشجيع بعض الدول على سداد ديونها بالروبية الهندية، أو الإيوان الصيني وغيرهما من عملات دول البريكس، تشكل ضربة قوية للدولار الأمريكي وصفعة كبيرة للعم سام، الحليف الأول لكييف والمزود الرئيس لها بصنوف الأسلحة التدميرية على تعددها.
إن مستقبل دول البريكس في حروب الغذاء والطاقة والديون ربما يشهد تدهوراً كبيراً يعيشه الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات اليورو، وهو ما سيعني أن اقتصاديات جديدة أخرى سترى النور، بينما ستضمحل اقتصاديات أخرى قائمة، تجهل طبيعة التغيير الاستراتيجي العالمي الذي ستفرزه الحرب.
إن حرب الغذاء ستتفوق لا محالة على حرب السلاح لكنها حتماً ستأتي بأسئلة كبيرة تحتاج لإجابات عريضة. السؤال الأهم، كم ستستغرق هذه الحرب حتى يستقر العالم؟ عاما؟ عامين؟ ننتظر ونرى..