تل أبيب- معا- يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: إن مشاريع القوانين التي تدفع بها حكومته لتعديل القضاء، تهدف إلى الموازنة بين صلاحيات المحكمة العليا والسلطتين التشريعية والتنفيذية.
لكن خبراء وناشطون ومعارضون يرون أنها تهدف إلى تقييد احتمال عزل نتنياهو (73 عاما) في ظل محاكمته بتهم فساد وتضارب المصالح بين تمرير التشريعات وتلك المحاكمة.
فمصير نتنياهو نفسه معلق بيد المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في إسرائيل، لا سيما في ظل محاكمته بتهم فساد ينفي صحتها.
وفي مايو/ أيار 2020، بدأت المحكمة المركزية في القدس الشرقية النظر في لوائح اتهام بحق نتنياهو تشمل الاحتيال وتلقي رشوة وخيانة الأمانة.
ومنذ ذلك الحين، عقدت المحكمة عشرات الجلسات للاستماع إلى الشهود ونتنياهو نفسه دون تحديد موعد لانتهاء الجلسات.
ولكن حتى لو قررت المحكمة المركزية إدانة نتنياهو، فسيكون بإمكانه الالتماس أمام المحكمة العليا التي تملك القرار النهائي بإدانته من عدمها.
ويقول قانونيون ومعارضون إسرائيليون إن القوانين التي تدفع بها الحكومة تهدف، ضمن مواضيع أخرى، إلى منع المحكمة العليا من محاكمة نتنياهو.
وحتى الآن، أقر الكنيست، قانونين يحدان من صلاحيات المحكمة، الأول تم إقراره في مارس/ آذار الماضي، ويحد من قدرة المحكمة على عزل نتنياهو من منصبه، والثاني في يوليو/تموز الماضي، ويمنع المحكمة من التدخل في قرارات الحكومة تحت عنوان "الحد من المعقولية".
وتدفع الحكومة، ضمن خطة تعديل القضاء، نحو إقرار 6 مشاريع قوانين أخرى في الكنيست، بينها قانون "القفزة" الذي يمنع المحكمة العليا من إلغاء قرارات البرلمان.
محاكمة نتنياهو
ومعتبرا أن هذه القوانين ترتبط بمحاكمة رئيس الوزراء، قال خبير القانون الإسرائيلي دانيال سيدمان للأناضول إن "الإجراءات الجنائية ولائحة اتهام نتنياهو تشمل خيانة الأمانة والاحتيال وتلقي الرشوة، وهي عملية قانونية مستمرة منذ سنوات".
وتابع: "هناك سؤال كبير هو: هل إسرائيل دولة قانون أم لا؟.. حقيقة أن نتنياهو يخضع لإجراءات قانونية هو مؤشر على أنه لا أحد فوق القانون".
غير أنه استدرك: "لكن ما الذي يسمح به هذا التشريع (الحد من المعقولية)؟.. إنه يسمح لنتنياهو وحكومته بطرد النائبة العامة الحالية (حكومية)، وهي عنصر مهم في استمرار هذه المحاكمة وتطبيق سيادة القانون على الجميع بَمن فيهم نتنياهو".
ومتحدثا عن النائبة العامة غالي بهاراف – ميارا، قال سيدمان: "على الأرجح سيتم طردها ويحل محلها شخص ينظر في القضية ضد نتنياهو، ويمكن أن يفاجئ الجميع بإلغاء لائحة الاتهام، فهدفه (قانون الحد من المعقولية) واضح، وهو تخليص نتنياهو من المسؤولية القانونية والجنائية".
والخميس، بدأت المحكمة العليا الاستماع إلى التماسات قدمتها "الحركة من أجل نزاهة الحكم" (خاصة) وحزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض، لوقف العمل بالقانون الذي يقيد قدرة النائبة العامة والمحكمة العليا على عزل رئيس الوزراء.
وينص القانون على أنه يحق لرئيس الوزراء نفسه أو لمجلس الوزراء فقط بأغلبية الثلثين الإعلان أن رئيس الحكومة "غير لائق لأداء مهامه بسبب عجزه البدني أو العقلي"، وبعدها يجب أن "تتم المصادقة على تصويت مجلس الوزراء بأغلبية عظمى في الكنيست".
بينما يمنع المحكمة العليا من النظر في "طلب إعلان عدم قدرة رئيس الوزراء على القيام بمهام منصبه".
وقال عضو الكنيست عوديد فورير من "إسرائيل بيتنا" للصحفيين، الخميس: "هذا قانون للأحوال الشخصية تم سنه وفقا لمعايير نتنياهو".
غرض سياسي
أما الخبير في معهد ديمقراطية إسرائيل (خاص) عمير فوكس فقال إنه "يبدو من توقيت مشروع القانون، وكذلك مما قيل في محضر المناقشات، أنه يهدف إلى إفادة رئيس الوزراء نتنياهو، لقد ولد من الخوف من أن يعلن المستشار القانوني (النائبة العامة) عن عجز نتنياهو، وكان مصمما لإحباط ذلك".
وتابع فوكس، في مقال بالموقع الإلكتروني للمعهد الأربعاء: "ظاهريا، هذا انتهاك للسلطة التأسيسية للكنيست، فغرض القانون ليس وضع تعليمات عامة، بل الاستخدام السياسي لتحسين الوضع القانوني لشخص معين (نتنياهو)".
كما يقول ناشطون إسرائيليون إن قانون "الحد من المعقولية" يهدف الى طرد النائبة العامة وتعيين شخص آخر مكانها يدين بالولاء للحكومة، التي تشكلت في 29 ديسمبر/ كانون الماضي، وتوصف بأنها "أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل".
وقالت الصحفية الناشطة في معارضة التشريعات الحكومية أورلي بارليف، في تغريدة: "سيتم نزع كل السلطات من النائب العام، وتعيين دمية تطيع الحكومة بشكل أعمى، والأهم أنه سيلغي محاكمة نتنياهو الجارية بشأن الفساد".
الحكومة والكنيست
وفي أكثر من مناسبة، نفى نتنياهو وجود أي علاقة بين محاكمته وقوانين ما يسميه بـ"الإصلاح القضائي".
وما زال يتعين معرفة إذا كانت الحكومة والكنيست ستتعاونان أم لا مع قرارات المحكمة العليا، سواء بشأن قانون تقييد عزل رئيس الوزراء أو "الحد من المعقولية".
وفي سلسلة مقابلات مع شبكات تلفزة أمريكية خلال الأسبوعين الماضيين، رفض نتنياهو التعهد صراحة بالالتزام بقرارات المحكمة.
وقال في مقابلة مع شبكة "إن بي سي" الثلاثاء: "علينا اتباع قاعدتين: الأولى هي أن الحكومات الإسرائيلية تلتزم بقرارات المحكمة العليا، لكن في الوقت نفسه، تحترم المحكمة القوانين الأساسية التي هي أقرب شيء لدينا إلى الدستور. أعتقد أننا يجب أن نحافظ على المبدأين، وآمل أن نفعل ذلك".
لكن زعيم حزب "الوحدة الوطنية" المعارض، وزير الجيش السابق، بيني غانتس، غرد الخميس قائلا: "إذا لم تحترم الحكومة حكما قضائيا، فلن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية".
وشدد غانتس على أن "المسؤولية تقع على رئيس الوزراء".
وتقول الحكومة إن مشاريع القوانين تهدف إلى "إصلاح القضاء" واستعادة توازن مفقود منذ سنوات بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، بينما ترى المعارضة أنها "تحول إسرائيل إلى ديكتاتورية".
ومنذ 30 أسبوعا تشهد إسرائيل احتجاجات شعبية تطالب الحكومة بالتراجع عن مشاريع قوانين تعديل القضاء، وسط تحذيرات من تداعيات أزمة دستورية محتملة، بل وحرب أهلية.
ونتنياهو هو صاحب أطول فترة بقاء في منصب رئيس الوزراء فى إسرائيل، ووصلت إلى 15 عاما منها 12 عاما تواليا.