المصدر: القناة الـ 12
الكاتب: ايهود باراك
أطلس للدراسات، ترجمة: عبد الكريم أبو ربيع
أين نقف؟
إليكم بعضًا من أحداث الأسبوع فقط:
1. نتنياهو ووزراؤه شرعوا في حملة تهديد فظيعة على المحكمة العليا، يلمحون إلى أنهم ليسوا مُلزمين بالضرورة بقراراتها؛ هذا يذكرنا بالعرض الفظيع صبيحة افتتاح محاكمته، رأس الحصان لم يوضع بعد على باب رئيسة المحكمة العليا إستر حايوت.
2. انقضاض لا أخلاقي من قِبل نتنياهو وحاشيته على رئيس الأركان وقادة الجيش الإسرائيلي، في محاولةٍ مفضوحة لتحميلهم المسؤولية وتمهيد الطريق أمام اتهامهم بأيّ حدث أمني مؤلم. هذا كله بعد أن منع نتنياهو - في خطوةٍ غير أخلاقية، تجاوزت صلاحياته، بشكل فاضح - انعقاد جلسة الكابينت، قبل التصويت على الانعكاسات الفورية والمباشرة للتشريع على أمن الدولة. إلى الآن، لم يتم التلميح إلى أن قادة الجيش الإسرائيلي هم "خدام الانقلاب العسكري" لقادة الاحتجاجات، وهم في الواقع "يساريون خونة".
3. النقاش حول قانون التجنيد محصن بـ "استراحة البلوغ" أو بالدرع الخاص، لمجرد كونه نزوة وسطية، هذا تدمير لـ "جيش الشعب" وتطبيق مهووس لفكرة "نصف خادمين - نصف متعلمين".
4. "فراشات": الوزير المعين للنووي ديفيد امسلم تخلى عن تعلم منصبه وتوجه إلى طرد مديرة هيئة الشركات الحكومية ميخال روزنبويم، الموظفة العامة الموهوبة والناجحة، فقط لأنها كذلك، وأجبرت مجموعة من الفتيات على الانحشار في مؤخرة الحافلة وتغطية أكتافهن بالبطانيات. في وسط المدينة، وفي وضح النهار، وهذا إن أردتم نموذج لما ينتظر النساء في إسرائيل فيما بعد، ضباط الاحتياط التنفيذيين طُلب منهم إعادة السلاح المملوك بترخيص بحيلة محرجة مستوحاة من وزير الأمن القومي، وفيما بعد فبركة اتهامات "جنائية" بحقهم كـ "مُخالفين للنظام" في المظاهرات. ظبيته الخاصة ما تزال تحمل السلاح، وكذلك "نشطاء الإرهاب اليهودي" الذين يخرجون لرعي الغنم في وقت متأخر في ليلة السبت (الغنم تستجيب للمبادرة) ينهون رعيهم بإطلاق النار الحي وجثمان (شهيد)، ويحظون طبعًا بـ "دعم من الوزير".
ما المغزى؟
نهاية الأوهام! لا، "نتنياهو ينجر" ولا "أحد في الليكود يطالب بالتخفيف"، ولا حتى "النزول تحت الحمالة". نحن في ذروة "ثورة قضائية" على المنشطات، صدام مخطط له للقضاء على الديمقراطية في إسرائيل وتحويلها إلى ديكتاتورية بحكم الأمر الواقع، فاسدة، ظلامية، دينية وعنصرية. استعداد نتنياهو لتدمير المنظومة القضائية من أجل أن يُنقذ نفسه من المحاكمة، ودفع الإكراميات لشركاء دربه، حتى بثمن الخطر الأكيد والقريب من أهلية الجيش الإسرائيلي ووحدته، وأسس أمن إسرائيل وحياة جنودها ومواطنيها؛ يُعتبر خروجًا غير مسبوق على القانون، وخطيرًا مبينًا يُلقي بظلاله الثقيلة على حقيقة أهليته للاستمرار في قيادة الدولة. هذا كله دون التعريج على الضرر البالغ للاقتصاد، والعلاقات مع الولايات المتحدة أو رفع الحصانة عن المقاتلين والقادة من أوامر الاعتقال في الخارج والشكاوى في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
إنه تمرد نتنياهو على الديمقراطية الإسرائيلية، إضافة إلى خرقه ليمينه الدستوري يوم أدت الحكومة القسم، ناهيك عن الخرق الفاضح لنظام تضارب المصالح، الذي تستند إليه المحكمة العليا في مصادقتها على بقاء شخص يُحاكم على مخالفات فساد خطيرة في منصبه كرئيس للحكومة.
هو المحرك، وهو المسؤول، وهو مصر على دوس كل ما يعترض طريقه. لا ينبغي أن نخطئ! نتنياهو، مخاوفه، وانحرافه عن المسار هي المشكلة. الطيارون والـ 15 من المتطوعين هم الحل، وليس العكس، الطيارون وبقية المتطوعين هم الإصبع في السكر، إصرارهم هو الذي يُنقذ إسرائيل من أن تضل سبيلها، وقيمها ومصادر ازدهارها. تمامًا كما أنقذ اسلافهم وخريجوهم إسرائيل من ذلك الإخفاق قبل 50 سنة.
وللتوضيح المعتدي هو نتنياهو، وإلى جانبه روتمان ولفين، سموتريتش، وبن غفير، هو المتمرد الذي يحاول، كما صاغت ذلك الرئيسة حايوت "تدمير استقلال المحكمة ودفع إسرائيل خارج أسرة الديمقراطية". الاحتجاجات الجماهيرية وتأجيل التطوع من قِبل الطيارين والجنود هي ردود فعل تلقائية من قِبل المواطنين، وفعل دفاعي مستقل من قِبل الشعب ضد الحكومة المتمردة، التي تعمل بطريقة غير ديمقراطية وغير شرعية فاضحة. المسؤولية عن الأضرار، والإصابة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي، وعن التدهور، بل وعن النتائج المؤلمة لهذا التدافع تقع على كاهل المعتدي نتنياهو، وليس على كاهل الأمناء على الديمقراطية، الطيارون أو المدنيون.
على أيّ حال، أمام نتنياهو طريقة بسيطة لتبديد الأزمة على الفور، ليتكرم رئيس الحكومة ويعلن عن اجتماع للكنيست في الأسبوع القادم، اجتماع يُلغى فيه في يوم واحد من المداولات تقليص حجة المعقولية وبقية "قوانين الانقلاب" التسعة التي مُررت بالقراءة الأولى أو الجاهزة للتمرير؛ سينزاح المسدس عن عنق الديمقراطية وستتبدد الأزمة، وبالتالي يستمر القضاء. هل يعقل وهل يُمكن القبول بأن يكون هذا هو المحرك الوحيد للأزمة الوطنية التي نوجهها؟ سيكون هناك أيضًا بعض من المجرمين أو الجشعين أو العنصريين المسيانيين الذين لن يكونوا راضين، لكن مَن وماذا بالضبط ينتظرهم إذا قرروا مغادرة الحكومة؟ ونقول هنا مجرد كون نتنياهو لا يفكر بالسير في هذا المسار، هو ما يوجب على الجهات المحتجة عدم الاكتفاء بهدف "إلغاء التشريع الانقلابي"، وإنما المطالبة بشكل واضح بإبعاد محركيه، وعلى رأسهم نتنياهو؛ إنها الطريقة الوحيدة لنؤكد لمواطني الدولة بأن الكابوس الذي نحارب اليوم للخروج منه لا يُمكنه أن يعود.
إلى أين من هنا؟
الأسابيع الستة القادمة ستختبر بقرارات المحكمة العليا في الاستئناف في مواضيع "حجة المعقولية"، "الحصانة" و"تعارض المصالح". أؤمن بأن العليا لن ترتدع من التهديدات، والخط المركزي لقراراتها سيكون الإلغاء الفعلي للقوانين بهذه الصيغة أو غيرها. مثل هذا القرار، سيخلق على الفور أزمة قانونية، "أزمة علنية" طالما رفضت الحكومة الانصياع لتعليمات العليا أو "أزمة احتلال" سنتيمتر واحد تحت وجه الأرض، وإذا اختارت الحكومة التنصل من القرار والامتناع عن الصدام المباشر معه، مع كونها مستمرة في تقويض الديمقراطية التي ستنهار بأيّ طريقة أخرى، هذا الوضع من شأنه أن يُضعف سيطرة نتنياهو على شركائه، حتى في "الليكود" نفسه. على أيّ حال، عاجلًا أو آجلًا بعض الشيء سيقع الصدام بين التعليمات التي يتخذها رئيس الأركان أو حارس آخر من الوزير المُعين عليه وبين قرار العليا. أنا على قناعة بأن الحراس سيتوجهون إلى النائبة العامة، التي ستوجههم بدورها للانصياع للقانون، وهذا ما سوف يكون. محاولة الحكومة إقالة حارس البوابة المُفترض أو النائبة العامة سيخرج إلى الشوارع مليون مواطن. الاحتجاجات والعصيان المدني لن يتوقفا حتى تخضع الحكومة وتنحني أو تسقط.
يجب التوضيح: الحكومة ورئيس الحكومة الذين لا يحترمون قرارات العليا يعملون على خلاف القانون ومبدأ الفصل بين السلطات، وهذا خرق للمواثيق؛ بل ربما مخالفة جنائية. إنه عمل غير شرعي، فاضح، ترفرف فوقه راية سوداء. ليس فقط حقه، بل واجب على كل مواطن أن يعمل بكل طريقة قانونية، بهدف وقفه. عصيان مدني غير عنيف هو إذًا واجب أخلاقي على الأفراد، وعلى كل هيئة تحترم نفسها.
ستكون هذه حقبة صعبة للغاية، حتى على النائبة العامة، التي أثبتت أنها عامود فقري استثنائي، وأن شيئًا ما كان ينقص سلفها في المنصب. إنها فترة اختبار لوزير الأمن، وفترة صعبة لبقية حراس البوابة، وسيما رئيس الأركان. أؤمن بالنزاهة وبالعامود الفقري لكل هؤلاء، لكن بنظرة إلى كل هذه الجهات العليا والنائبة العامة، وحراس البوابة، وحتى قادة المعارضة، جميعهم يستمدون الشرعية الجماهيرية والصلاحية الأخلاقية لعملهم وصمودهم في وجه الضغوطات، من وجود الاحتجاجات الشعبية المدنية غير العنيفة، القوية والخلاقة، والمثيرة والملهمة، الكافية للانتصار، والانتصار لابدّ آت.
يُحتمل أن تقع في هذه الحقبة المعقدة أيضًا تطورات مصدرها التدهور الأمني المحتمل، حيث مستوى الثقة برئيس الحكومة وبرجاحة عقله وقراراته في أحض مستوى (واقتبس: "هناك تخوف حقيقي ومبرر، يجب أن أقول إن المقصود اعتبارات نابعة من وضعه القانوني وليس بالضرورة من المصلحة الحقيقية للدولة وأمنها". بعض القراء يذكرون طبعًا من قال ذلك). وربما تكون هناك تطورات في المجال السياسي أيضًا، والتي يكون المطلوب فيها رجاحة عقل عميقة، خالية من الاستفسارات والثقة (التي لا نجدها) لدى الجمهور بهدف اتخاذ القرارات الصحيحة، لأسباب واضحة متعلقة بحساسية وكثرة وجوه الاعتبارات التي لا أريد أن أخوض فيها هنا.
ما العمل؟
المطلوب منا في هذه الفترة التي نواجها القيام بخطوات عملية كثيرة، بعضها يناسب أن تناقش علانية، من بينها:
1) الاحتجاجات المتزايدة المتفاقمة قبيل الـ 12 من سبتمبر، ولغاية حسم الاستئنافات.
2) تجهيز بنية تحتية للتفاهمات، والتوافقات، والتنسيقات والاستعداد للانتقال إلى العصيان المدني غير العنيف خلال فترة قصيرة، واسعة النطاق، بما في ذلك إيقاف أجزاء كبيرة من أعمال الدولة، وبلورة سبل تحرك واقعية تناسب مختلف المجالات.
3) تحريك نقاش شعبي موسع في مواضيع مقام "الحكومة المتمردة" وسلطة القانون، وعدم شرعيتها، إلى جانب شرعية الكفاح الدفاعي ضدها، جوهر المواضيع التي تتصدر استئنافات العليا، مسؤولية رئيس الحكومة مسؤوليات وواجبات حراس البوابة والوزراء المعينين عليهم: الأمن، الأمن القومي، رئيس الحكومة.
4) تحقيق تفاهمات مع قادة المعارضة، حيث وفي ظل الخطر المباشر والواضح لقيام دكتاتورية بحكم الأمر الواقع، لن تكون هناك "محادثات متجددة" برعاية الرئيس، ولن يكون هناك عمليات لإنقاذ نتنياهو، إلى أن يتحقق الحسم الواضح والإحباط التام للانقلاب القضائي. من رئيس الدولة الذي أزعم بأن قلبه في المكان الصحيح، من الضروري ومن الجدير أن نسمع بصوته مع أيّ جانب يقف في هذا الخلاف، وما هي الاستنتاجات العملية من ذلك.
5) استمرار الدعم القانوني النوعي والوثيق للشكاوى التي من شأنها أن تكون مطلوبة على المستوى المهني الرفيع ومواقيت زمنية قصيرة. ذلك إلى جانب الدعم الدائم لنشاطات التظاهر والاحتجاجات في ظل التدهور المُقلق لنمط عمل جزء من الجهات الشرطية، بتوجيه إشكالي من قمة الهرم. في هذين المجاليْن، في صفوف الاحتجاجات نشاطات شاملة ومُجدية منذ اليوم.
6) الإعدادات للتعطيل الشامل للاقتصاد والمجتمع، وإغلاق مؤسسات ورموز الحكم ومنعها من التصرف بخلاف القانون.
الحسم أولًا، وبعد ذلك الاتفاق الواسع النطاق
نعيش أيامًا مصيرية لأمن وهوية ومستقبل دولة إسرائيل، في كفاح من أجل كل ما هو عزيز علينا، أمام خصم مُلاحق ويائس؛ لكنه خبير لا يوقفه شيء. سننتصر، لكن هذا يتطلب مجهودًا مركزًا، عنيدًا وخلاقًا. الخطران الأساسيان علينا هما: من جهة دفن الرأس في التراب، والتنصل من الخطر الحقيقي والقريب الماثل على الأبواب. وقت بذل قصارى الجهد هو الآن، لن تكون هناك فرص أخرى. في مثل هذه الأوضاع، ولغاية نقطة محددة، يبدو أنه من المُمكن العمل عندما يحين الوقت. لم يحدث هذا الأمر بعد، وفي لحظة ما ينقلب كل شيء وتتطور الأمور بطريقة أسرع من قدرتنا على الرد. إذا فشلنا، لن نستطيع تحريك نقاش في أيّ من المواضيع التي تقرر كيف نحيا، وكما أحسن الوصف البروفيسور يوبل نح هرري، الانتخابات النزيهة والحرة لن تجري بعد اليوم أيضًا.
ومن جهة أخرى، الإغراء في المسائل العاطفية، "التفكير بالأمنيات" ليس هناك ما هو أسهل. من ذا الذي لا يتوق إلى اتفاق موسع، وإلى الحوار بدلًا من الصراع، وأن نجلس كإخوة معا أيضًا، وإلى تدوير الزوايا وتنعيم الشقوق؛ إنه لأمر مُمكن بالفعل، لكن فقط في حال وجد أساس مشترك. لا يُمكن الوصف أن الحديث يدور عن طرفيْن يسعى كلاهما إلى استقلال المحكمة، وقيم وثيقة الاستقلال على أنها أساس قيمي للديمقراطية كأسلوب للحكم ولكن بينهما خلاف على المسلمات، والأدوات والسبل، كان حينها محل للمفاوضات والحلول. هذا ما حدث في إعداد الدستور في الدول المتقدمة، وبالفعل هناك الكثير من صيغ الديمقراطية العاملة، لكن في اللحظة التي سقطت عندها الأقنعة ولم يعد من المُمكن ارتكاب المزيد من الأخطاء في جوهر نوايا نتنياهو وشركائه؛ لا سبيل للحل والمفاوضات بين من يريد الديمقراطية والمساواة وسلطة القانون وبين من يريد تطهير المحكمة، والسيطرة على كل السلطات الثلاثة بالقوة غير المحدودة. وحيث لا إمكانية للمفاوضات بين الكبش والذئبيْن في مسألة ما يؤكل في وجبة العشاء أو بين المغتصب وضحيته حول التوافقات الموسعة بشأن الاغتصاب التالي، في الظروف التي أحلت لا مفر سوى الحسم، استقلال المحاكم وقيم وثيقة الاستقلال والديمقراطية.
وبعد الحسم فقط، مهما كان مؤلمًا، يحين وقت حوار المصالحة، للئم الشروخ وجلوس الإخوة معًا أيضًا. وكذلك للإصلاح الأساسي والعميق لثقافة المواطنة، والعلاقات بين المجموعات المختلفة في المجتمع وإقامة دستور مناسب أو على الأقل قانون أساس: التشريع و"ميثاق حقوق المواطن" كلاهما محصن بالأغلبية والإجراء الخاص.
هذا هو الكفاح الأكثر أهمية، والذي سنشارك فيه طوال أيام حياتنا، وفي النهاية سننظر إلى الخلف ونفتخر بالإنجاز، رغم الثمن. سوف ننتصر، لأننا مع القانون ومع قيم الديمقراطية ومع كل ما جعل أرضنا الرائعة إلى اتان، وروحنا قوية صلبة ومعنا الكثير والكثير من الشباب، والكثير الكثير من المتدينين وأعضاء اليمين المعتدل، والعرب أيضًا وأبناء الأقليات. نعرف ما هو الصواب، ومستعدون لنحارب من أجله حتى ننتصر. وهذا ما سوف يكون.