السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الشيخ جراح" المقدسي.. حي القنصليات العربية حتى عام 1967

نشر بتاريخ: 11/09/2023 ( آخر تحديث: 11/09/2023 الساعة: 22:47 )
"الشيخ جراح" المقدسي.. حي القنصليات العربية حتى عام 1967

القدس- معا- على رأس تلة في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، تبرز شجرة أرز طويلة هي الوحيدة من نوعها في المدينة.



الشجرة تجاور منزلا قديما مملوكا لعائلة مقدسية وبات مقرا لإقامة دبلوماسي أيرلندي، ولكنه كان مقرا للقنصلية اللبنانية حتى عام 1967، وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل باقي المدينة.
وهذه لم تكن القنصلية العربية الوحيدة في المدينة حتى احتلالها، إذ توجد حتى الآن أبنية كانت قبل 1967 مقار للقنصليات المصرية والعراقية والسعودية والسورية.
غير أنه بعد ذلك العام اختفت القنصليات العربية وبقيت مقار قنصليات أخرى بينها التركية والفرنسية والبريطانية والإسبانية والبلجيكية والإيطالية والسويدية واليونانية.
وغالبية القنصليات التي كانت وتلك التي لا تزال قائمة، تتواجد حصرا في حي الشيخ جراح الذي يطلق عليه البعض "حي القنصليات".
وتتواجد بعض القنصليات في مبانٍ مملوكة لعائلات مقدسية ثرية وأخرى في أبنية مملوكة لدول منذ عقود.
والعديد من القنصليات التي كانت في القدس حتى 1967، كانت تتواجد حتى عام 1948 (قيام إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة) في حي الطالبية الذي بات منذ ذلك الحين جزءا من القدس الغربية.
وحاليا تُعتبر منطقة القنصليات في حي الشيخ جراح من أغلى المناطق في القدس الشرقية من حيث ثمن المنازل أو إيجاراتها الشهرية.
ويفضل الكثير من الدبلوماسيين الأجانب استئجار منازل لهم في المنطقة التي يتواجد فيها أيضا فندق الأمبسادور ومستشفى العيون والمستشفى الفرنسي.
منطقة مؤسسات
الخبير الفلسطيني في شؤون القدس خليل التفكجي قال للأناضول إن "هذه المنطقة كانت وما زالت طريق المواصلات العامة باتجاه الشمال، أي (مدينة) رام الله (وسط الضفة الغربية المحتلة) وغيرها من المدن، ولذلك كانت مرغوبة من قِبل الدبلوماسيين".
وأضاف: "وأيضا هي منطقة مملوكة لعائلات ثرية فلسطينية قامت ببناء الأبنية الجيدة ذات المستوى الثقافي الرفيع، وفي نفس الوقت فإنها كانت منطقة مقامة حديثا".
و"أيضا في ذلك الوقت كانت هناك قنصليات عديدة، بما فيها التركية والفرنسية والإسبانية وأيضا المؤسسات الحكومية والثقافية، وبالتالي هي تعتبر منطقة مؤسسات حكومية وخاصة ودبلوماسية، وأقيمت فيها عدة فنادق"، بحسب التفكجي.
حاليا، لا توجد أي علامات على الأبنية تشير إلى القنصليات العربية التي كانت في الحي، ولكن كبار السن في المنطقة لا يزالون يذكرونها جيدا.
وكان بإمكان رجل وامرأة فلسطينيين صادفهما طاقم الأناضول، خلال إعداد التقرير، أن يشيرا إلى موقع القنصليات التي كانت قائمة في محيط منزليهما الحالي، ولكنهما رفضا الحديث إلى الإعلام.
شجرة أرز لبنانية
ولا تزال البناية التي كانت قنصلية لبنان تحافظ على جماليتها، ولكن العلم المرفوع عليها حاليا هو علم أيرلندا، وإلى جانب البناية، توجد شجرة أرز ضخمة.
وهو يشير إلى البناية، قال التفكجي: "كانت القنصلية اللبنانية هنا، وكما تشاهدون فإن جزءا من هذا التراث هو شجرة الأرز اللبنانية".
وتابع: "بقيت القنصلية اللبنانية في هذا المبنى حتى العام 1967 عندما تم إغلاقها، ولكن شجرة الأرز ما زالت موجودة حتى الآن لتكون شاهدة على ذلك التاريخ".
إحدى البنايات الجميلة القريبة كانت حتى 1967 مقرا للقنصلية المصرية، بعد انتقالها إثر حرب 1948 من حي الطالبية في القدس الغربية.
وقال التفكجي: "كانت القنصلية المصرية موجودة هنا في الشيخ جراح حتى العام 1967، وما بعد ذلك التاريخ أُغلقت ثم تحولت إلى مقر للقنصلية الفرنسية التي تستخدمها الآن كملحقية ثقافية واقتصادية".
وعلى مقربة منها كانت توجد القنصلية السورية العامة في القدس. وبحسب التفكجي، "تم إغلاق القنصلية السورية في العام 1967".
ويتضح أن البناية عادت لتُستخدم كمسكن لعائلة فلسطينية.
العاصمة الثانية للأردن
وعلى مسافة غير بعيدة، كانت توجد القنصلية العراقية، التي تواجدت في منزل لعائلة مقدسية، لا تزال تقيم فيه حتى الآن.
وهو يقف أمام المبنى، قال التفكجي: "هنا كانت القنصلية العراقية قبل عام 1967، وكان هناك أيضا على مسافة ليست بعيدة منها القنصليات السعودية والمصرية والسورية واللبنانية وغيرها".
ولفت إلى أن القدس الشرقية كانت العاصمة الثانية للأردن بعد العاصمة عمان، ولذلك أُطلق على المقار الدبلوماسية اسم قنصلية وليس سفارة.
وأردف أن "العاصمة الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية كانت في القدس، وفيها انتشرت القنصليات، أما السفارات فكانت في العواصم الرئيسية، وهي في هذه الحالة عمان".
منطقة استيطانية معزولة
التفكجي قال إن "القنصليات كانت كلها مستأجرة من عائلات مقدسية، بما فيها الحسيني والنشاشيبي وبركات وغيرها".
وزاد بأن "المنطقة كانت وما زالت هادئة، وهي بمثابة المركز الدبلوماسي وهي منطقة القناصل".
ومنطقة الشيخ جراح، بحسب الفلسطينيين، من المناطق الأكثر استهدافا بالاستيطان الإسرائيلي في القدس الشرقية المحتلة، التي يتمسك بها الفلسطينيون عاصمةً لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في 1981.
وتهدد السلطات الإسرائيلية بإخلاء عشرات المنازل الفلسطينية في حي الشيخ جراح لصالح جمعيات استيطانية إسرائيلية.
وقبل سنوات، أقامت السلطات بؤرة استيطانية في الحي لصالح مستوطنين على أنقاض فندق شبرد الذي تم هدمه.
و"ما يحدث في الشيخ جراح الآن هو تحويل هذه المنطقة من منطقة دبلوماسية إلى منطقة معزولة وتغيير معالمها سواء التاريخية أو المشهد العام"، كما ختم التفكجي.