كتب نبيل عمرو:
زفّت وسائل الإعلام أن إدارتكم الموقرة، أرسلت عدداً من المصفحات لاستخدامها من قبل الشرطة الفلسطينية، بعد أن سمحت إسرائيل بدخولها.
وفي زمن سابق زفّت وسائل الإعلام، نبأ سماح إسرائيل بوصول كمية من الهراوات بفعل جهود أمريكية لاستخدامها من قبل الشرطة.
بالنسبة لي أنا كاتب هذه السطور، أحب ومن كل قلبي أن أرى في بلادنا شرطة مؤهلة من كل النواحي لحفظ أمن مواطنينا، ولو كانوا موجودين قبل زمن طويل، فلربما أمكن لهم منع محاولة اغتيالي، التي أخطأت رأسي وأصابت ساقي، ما أدّى إلى بترها.
وبالنسبة لي كذلك، أحب من كل قلبي أن أرى منظومة قضائية فعّالة في بلادي، كي تعطي لمهام الشرطة في حفظ الأمن الداخلي صدقية، يسعد بها المواطن، وينعم بها المجتمع، فالشرطة هي الأداة الرئيسية لذلك.
وما يحزنني هو وجود مئات آلاف القضايا المتراكمة في محاكمنا دون أن يُنظر فيها، ما أحرج حتى القضاء العشائري لعدم قدرته على معالجتها جميعا.
وحين سمعت بنبأ تزويد شرطتنا بالمصفحات وقبل ذلك بالهراوات، وربما بعد ذلك بالمسيرات، أحببت أن أكتب إليك، كرئيس للدولة العظمى، التي رعت عملية السلام "التاريخية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي وُقعت أوراقها في حدائق البيت الأبيض، وألقت إداراتكم بكل ثقلها لإنجاحها، وجعلها حقاً "تسوية تاريخية" لصراع مزمن، أرهق الشرق الأوسط والعالم لعقود، ولا يلوح في الأفق ما يبشر باستئنافها من جديد.
سيادة الرئيس..
ما الذي أقلقني من حكاية الهراوات والمصفحات، مع أنني أحب أن أرى شرطتنا الأفضل على مستوى العالم كله، ولا يهمني إن كانت المصفحات وحتى المسيرات المحتملة أمريكية أو أوروبية، فقد طلبناها من القيادة الروسية قبل سنوات ولأسباب لا أعرفها، لم نحصل عليها أو ربما حصلنا عليها وقد اعتراها الصدأ.
غير أن حكايتنا معكم تتصل بالبديهيات وليس بالمواقف الجذرية في أمر العداء أو الولاء، والأمر في منتهى البساطة..
البديهية التي نختلف معكم فيها يا سيدي الرئيس هي أن الهراوات والمصفحات وحتى المسيرات التي توضع بتصرف شرطتنا، لن تبعث طمأنينة في نفوس الفلسطينيين، لأن المصفحات الإسرائيلية التي تقتحم المخيمات والقرى والمدن، أقوى وأكبر وأكثر، ومثلما كانت شرطتنا بحكم "قلة الحيلة" تختفي أمام الاقتحامات الإسرائيلية، فحتماً وأمام أي اجتياح جديد، ستختفي مع مصفحاتها.. فهي لا تملك القدرة على فتح معركة من العيار الثقيل مع المقتحمين.
البديهية الضائعة في هذا الأمر، وهي الأساسية، والمقرة من قبلكم كنظرية وليس كتطبيق، هي أن غياب ما يسمى بالأفق السياسي يجعل الدبابات والمصفحات والمسيرات إسرائيلية كانت أم فلسطينية عاجزة عن حسم أي أمر، ولو بصورة مؤقتة. وتجارب السنوات الطويلة في عهد انحسار الأفق السياسي تثبت ذلك. وأنتم أيها الأصدقاء تعرفون هذه الحقيقة أكثر من غيركم، فأنتم على تماس دائم مع التطورات منذ البدايات "الزاهرة" لأوسلو، حتى النهايات المأساوية لها.
تعرفون يا سيادة الرئيس، أن الفلسطينيين الذين يعدّون خمسة عشر مليوناً وربما أكثر، يعيشون على أرض وطنهم وفي البلدان المجاورة والبعيدة، وعندكم في أمريكا مئات الألوف منهم، حتى أنهم ساعدوك في الانتخابات التي أتت بك إلى البيت الأبيض... الفلسطينيون هؤلاء، هم الإستثناء الوحيد من شعوب العالم كله، فلا هوية وطنية يحملونها حتى لو حملوا جوازات سفر أمريكية أو غيرها، ولا حياة يعيشونها بأبسط الشروط في المخيمات المنتشرة داخل وطنهم ومن حوله، ولأنهم يطالبون بأبسط حقوق الإنسان.. الحرية والاستقلال والكرامة، أي أنهم يطالبون بما حصل عليه كل آدمي على سطح الكوكب، فمن أجل ذلك تُفرض عليهم حروب لا تتوقف، وحصارات تزداد ضيقاً وإحكاما.
وهنا نحتاج إلى طرح سؤال يندرج تحت بند البديهيات... ما نفع المصفحات التي تقدم هدية أمريكية للشرطة؟ وما جدوى أي عمل لا يؤدي وبخط مستقيم ومباشر وصريح إلى ما يحتاجه الفلسطينيون والشرق والأوسط المضطرب؟ وهو ما أذكركم به رغم أنكم لا تقولون غيره.
إنهم يحتاجون إلى الدولة التي تتجاوز حال الوعود والتصريحات إلى حال آخر، أي "دولة حقيقية" ذات سيادة واستقلال، وحين يتحقق ذلك ستكون مصفحات وهراوات الشرطة، جزئية ومحدودة للغاية من كلٍ مفقود.
سيادة الرئيس..
لقد صوّت الفلسطينيون لك على ما قلت ووعدت، وقد يصوتون لك مرة أخرى، ليس بفعل المصفحات، وإنما لأنهم مضطرون للإختيار بين السيء والأقل سوءً، وفي هذه الحالة سينظرون إلى ترمب أو ما يشبهه حين يقفون أمام صناديق الإقتراع.