بقلم: د. صبري صيدم
في كل أزمة تواجهها إسرائيل هذه الأيام يطل علينا عدد من ساسة دولة الاحتلال للادعاء بأن إسرائيل إنما تواجه تهديداً وجودياً، ويحتل الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ موقع الصدارة في تكرار هذه التصريحات، بل هذه العبارة تحديداً.
وقد انضم في الآونة الأخيرة وزير الدفاع الصهيوني يؤاف غالانت إلى الجوقة ذاتها التي تردد العبارة ذاتها وتطلق العنان للحديث عن المخاطر التي تتهدد دولة الاحتلال، بل يصل الأمر ومع كل اجتماع للحكومة الصهيونية إلى الادعاء بمناقشة بند يتعلق بحرب مزعومة ستواجهها إسرائيل، حتى أنه ومع كتابة هذه الكلمات كانت الحكومة المصغرة المعروفة بالكابينيت، ما زالت منعقدة لمناقشة «مخاطر كبيرة» و «حرباً» محتملة.
ومع هذا وذاك تستمر تصريحات قيادة الجيش إسبوعياً لتتراوح بين الدفع بقوات عسكرية باتجاه الحدود اللبنانية لصد اعتداء ما، أو شن هجوم معين، واحتمالية تفعيل منظومة القبة الحديدية في محيط قطاع غزة، بدعوى وجود خطر آخر، بالإضافة إلى دوام الحديث عن تعزيز الوحدات العسكرية في الضفة الغربية.
معظم هذه التحركات والادعاءات إنما هي وفي غالب الأحيان، كذب بكذب ومحض افتراء وخداع، وتقليعات ترهيبية تحمل ثلاثة رسائل «وجودية» بالنسبة لدولة الاحتلال:
1 ـ رسالة للإسرائيليين، بأن هناك خطراً داهماً ينتظرهم، وتهديداً جدياً يتوعدهم، وهو ما يتطلب منهم التماسك والترابط تحضيراً للمواجهة، الأمر الذي يتقاطع مع العقيدة التي تبناها البعض كشارون مثلاً، والقائمة على مبدأ أن الإسرائيليين لا يوحدهم سوى الشعور بالتهديد، وأن السلام ربما يهدد بقاء الدولة واستدامتها ويفتح شهية الفلسطينيين (حسب المزاعم الصهيونية) للمطالبة بالمزيد من الأرض.
2 ـ رسالة للعالم، بأن إسرائيل في حالة حرب دائمة، وأنها تحتاج لتعاطف هذا العالم واستدامة دعمه السياسي والعسكري، إضافة إلى ضرورة استدامة تدفق المساعدات والمال اللازمين لمواجهة الحرب المزعومة.
3 ـ رسالة للفلسطينيين، بأن إسرائيل تمتلك من القوة والجبروت ما يجعلها قادرة على المجابهة على عدة جبهات، وأنها تمتلك قوة تقنية وحربية ضخمة تمكنها من صد أي هجوم قد يقوده الفلسطينيون على الجيش الصهيوني، أو أي من عصاباته المتأهبة دوماً للتنكيل بأهلنا أينما كانوا.
ولعل الرسالة الأكبر تهدف لصناعة الوهم لدى البسطاء بأن «التهديد الوجودي» وانهيار إسرائيل وزوال دولتها بات قريباً، وهو ما يخلق حالة من التراخي لدى الشعب الفلسطيني ومقاومته أياً كان شكلها، على قاعدة تضخيم الوهم بأن زوال إسرائيل بات قريباً، وهو ما يخلق الشعور لدى الفلسطينيين بعدم الحاجة لتصعيد العمل المقاوم. وبما أن إسرائيل تمتلك من التساوق الأمريكي والانبطاح العربي والدعم الغربي الشيء الكثير، مضافاً إليها التفوق العسكري والتقني، فإن جدية هذه التصريحات لا قيمة لها ولا تستأهل الالتفات إليها.
بناءً على ما تقدم فإن التضليل بادعاء الفناء أو الخطر الوجودي سيبقى سيد الموقف، خاصة في إطار التجاذبات السياسية التي تفاقمت مع الخلاف الإسرائيلي- الإسرائيلي على ما عرف بالتعديلات القضائية، ومحاولة أركان الدولة التلويح بالخطر لحث المتصارعين على فض خلافاتهم وتصفيرها، والالتفات للمشروع الصهيوني ومجابهة عناد الفلسطينيين وإصرارهم.
الأهم أن لا نعاود العيش في عالم من الأوهام والعنتريات والشعارات الفارغة، وزمن الإعلامي المغالي إبان النكسة أحمد سعيد، فالجيش والأمن هما الدولة وليس العكس، وفي حال لم يمسا فإنه من الصعب التصديق بأن الدولة تواجه خطراً وجودياً.
لقد اعتادت إسرائيل على توظيف تجارة الوهم لصالحها ضمن حرب نفسية متواصلة وممنهجة، فهل ينقلب السحر على الساحر؟ ننتظر ونرى!