بقلم: د. صبري صيدم
ما أن شرعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتطبيق مخططها الدموي المستمر ضد قطاع غزة الحبيب، وما رشح عنه من نكبة ثانية ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، إلا وانطلقت دعواتها لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء.
وقد بدأ تنفيذ المخطط على الأرض، من خلال إلقاء قواتها لمنشورات على شمال قطاع غزة والمدينة، حملت شعار جيش الاحتلال، مطالبة سكان تلك المناطق بالانتقال إلى ما بعد وادي غزة، أي إلى مناطق الوسط والجنوب تحت ذريعة «سلامة» السكان من القصف، وقد سبق هذا الأمر وحسبما أشيع، محاولة محمومة من قبل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو للضغط على دول أوروبية عدة بغرض إقناعها باستقبال سكان قطاع غزة كلاجئين فيها، على أن يتم توزيعهم حسب قدرة كل دولة على حدة، وهو ما رفضته فلسطين وقيادتها بشكل حازم وحاسم.
لكن الضغط الأكبر كان على جمهورية مصر العربية، التي لم يبق الاحتلال أي مغريات إلا وطرحها أمامها، مقابل أن تقبل مصر بمخطط التهجير. أمر لم ترفضه القيادة المصرية فحسب، بل وصفت ذلك بمثابة إعلان حرب، ولعل حساسية هذا الأمر باتت واضحة على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أيضاً، خاصة عندما قالها علانية بأن الأمر يعتبر تهديداً لأمن مصر القومي. وقد جدد هذا الموقف رئيس الوزراء المصري ووزير خارجيته، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى استكمال تمليك العقارات والأراضي المتاخمة للمنطقة الحدودية لأصحابها المصريين، في خطوة ذكية تغلق الطريق على نوايا الاحتلال.
ورغم حساسية مجمل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر وارتفاع قيمة الديون المستحقة على الدولة ومحاولة إسرائيل إغراء القاهرة مالياً وسياسياً بهذا الأمر، إلا أن مصر أبت إلا أن تجدد موقفها المشّرف تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها الحاسم لفرض نكبة جديدة على فلسطين وأرضها وشعبها.
أما الأردن وفي محضر التسخين الحاصل على جبهة الضفة الغربية من استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتفاقم اقتحام المدن وتسليح المستوطنين واعتداءاتهم واستهداف الناشطين، لم يكن أقل حرصاً على رفض التهجير جملة وتفصيلاً. وقد ساهم موقف بقية الدول العربية وتحديداً السعودية وقطر والإمارات في لقاء وزراء الخارجية العرب بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في عمان قبل أيام، في تعزيز الموقف الفلسطيني الرسمي برفض التهجير.
يضاف إلى هذا كله رفض كثير من سكان شمال غزة ومدينتها الانتقال إلى جنوب وادي غزة لأسباب وطنية، ولرفضهم لسياسة التهجير جملة وتفصيلا، وهو ما عطل الخطط العسكرية للاحتلال ودفعه لتصعيد غاراته الجوية لفرض حالة الترويع المطلوبة لغرض تهجير الناس. ومع انتقال الناس إلى مستشفيات القطاع الواقعة في حيز الإخلاء، خاصة مشافي الشفاء والقدس والإندونيسي والعودة والوفاء وغيرها، فإن جيش الاحتلال بات يواجه مشكلة معقدة مع كثافة أعداد اللاجئين فيها، الذي وصل إلى حوالي 200 ألف لاجئ، وهو ما يعطل العملية العسكرية برمتها. لذا فقد لجأ إلى تكثيف القصف حول تلك المشافي ومرافقها ومكونات صمودها من وقود ولوحات شمسية ومياه وسيارات إسعاف، أملاً في ترويع اللاجئين ودفعهم جنوباً. ومع فتح الاحتلال لخط العبور من تلك المناطق إلى الجنوب مؤخراً، ولعدة ساعات فإنه يأمل في إجبار الناس على التحرك جنوباً.
ولا يخفى على أحد بأن نتنياهو ما زال مصراً على تجفيف كامل سبل الحياة عن المنطقة المستهدفة، وصولاً إلى حد التجويع وإحكام القصف وإنهاء قدرات المشافي على العمل، وبالتالي طرد من فيها. ويصر نتنياهو في قرارة نفسه على مخطط التهجير هذا، وعليه ومع مرور الأيام وفي حال توفر الغطاء الدولي المتواصل، فإنه سيسعى إلى تجفيف موارد الحياة والبقاء في كامل القطاع على أمل إيصال الناس إلى حد اليأس الشامل وزحفهم نحو الحدود المصرية. ومع تفاقم هذا الأمر الذي يستوجب التفاتة ويقظة مصرية وفلسطينية وعربية وعالمية، فإن نتنياهو وبفعل ارتفاع أعداد الجرحى الفلسطينيين سيسعى لاستخدام حجة العلاج لإقناع العالم بتوفير مشافٍ عائمة وأخرى متنقلة على الحدود المصرية، بحيث يدفع بالمرضى وذويهم إلى تلك المشافي، وبذلك يستخدم سلاح التهجير «الإنساني» لتطبيق مخططه لا محالة.
لذلك فإن الموقف الفلسطيني والمصري والأردني والعربي والعالمي، إنما يحتاج للتبصر والحذر الكبير من هذه النقطة لتفادي تنفيذ نتنياهو لمخططه اللعين.. فهل يلتفت العالم لكارثية هذا الأمر ويدعم باتجاه تفاديه؟ ننتظر ونرى !