الأحد: 22/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

منفذ اغتيال رحبعام زئيفي، شاب وسيم ومبتسم

نشر بتاريخ: 14/03/2006 ( آخر تحديث: 14/03/2006 الساعة: 22:07 )
كتب رئيس التحرير ناصر اللحام- في مدينة أريحا حيث ينسى الزائر بأن هناك شتاء، وإذا أراد فانه يستطيع ان ينسى بأن هناك عالم آخر يتناحر على وجود الذات أمام الآخر، وصلت الى هذه المدينة الجميلة الرائعة التي طالما تهافت عليها السياح وربطوا اسمها بالبحر المالح الذي يطفو فوق سطحه البشر دون ان يغرقوا، فقلت في نفسي " انني وحين اصبح في نهاية عمري سانتقل للعيش هنا- في أقدم مدينة في التاريخ".

وبدلا من أن تتجه الى مركز المدينة، وفورا بعد مخيم عقبة جبر- الذي كان في فترة النكبة يتسع لربع مليون لاجئ فلسطيني مكثوا فيه فترة قبل استكمال نزوحهم للاردن- عليك ان تتجه يسارا الى مبنى المقاطعة.

يفتح لك شرطي فلسطيني البوابة الخارجية، ثم مرة أخرى بوابة ثانية، ثم تجد نفسك وسط تلك البناية التي بناها المحتلون الانجليز، ولكنك لم تدخلها بعد، وربما تشاهد قطا أبيض اللون يشبه تلك القطط التي تعيش في المستشفيات، ومع نظرة الى الأمام تشاهد أشجارا قصيرة وباحة تشبه فناء المنزل.

ثالث بوابة تقودك الى غرفة مأمور السجن، أما البوابة الرابعة فتقودك الى البوابة الخامسة .
وبعد البوابة الخامسة تجد نفسك في ساحة صغيرة كثيرة العناية والترتيب، لا توحي ابداً بأنها ساحة النزهة لسجن يضّم بين جدرانه اكثر الأسرى " خطورة" و" اهتمام" من جانب اسرائيل.

تتقدم والمضيف امامك ومن ورائك شرطي أو اكثر ، فتدلف ونزعة الفضول تعتريك الى بوابة ألمنيوم خفيفة، و تجد نفسك أمام ترحاب بالغ الدفء من الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات، فتنسى بسرعة أنك في المعتقل، وتنشغل بالترحاب وحسن الاستقبال لتجد نفسك تستقر على مقعد متواضع اصفر اللون، لكنه نظيف ومرتب، وها انت في غرفة الأسير الذي يتمكن بسهولة من تحويلك الى ضيف - مجرد ضيف مهم.

هناك التقيت رفاق الجبهة الشعبية، وبحسب ما رأيتهم كانوا يصلحون ابطالا في قصة للكاتبة الجزائرية التي أعشق أعمالها أحلام مستغانمي، وخطر ببالي أنه لو كان لدينا الفرصة لاستضافتها هنا، لخرجت برواية تهّز الأدب العالمي.

أحمد سعدات، أمين عام الجبهة، رجل في بداية الخمسينات من العمر، يبدو أن بشرته الأصلية كانت بيضاء ولكن عوامل كثيرة جعلتها حنطية، أشيب الشعر، هاديء الطباع، مستمع جيد ومحاور ذكي، ربما لا ينجح في اقناعك لكنه ينقل اليك همومه لتعلق في رأسك وتحملها معك الى الأبد ، يخدعك بايماءات رأسه فتعتقد انك نلت من قناعاته أو استبدلت مواقفه، لكنك سرعان ما تكتشف انه كان يستخدم ايماءات الموافقة لحثك على مواصلة الحديث وقراءة ما يدور برأسك، لو كنت رئيس السلطة الفلسطينية لاوكلت اليه مهمة وزير الرقابة ومحاربة الفساد وبذلك أضمن انه سيفاجأ ولن يجرؤ على الرفض طالما انه يطالب بمحاربة الفساد ، وأضمن ايضا ان الفاسدين سيسارعون لتعاطي حبوب تمييع للدم منذ الان .

عاهد ابو غلمة ولولا أنني سمعت في الاخبار أنه المسؤول العسكري للجبهة لكنت اعتقدت بأنه ممرض السجن، حسّاس غير متوثب، بشوش، بطبعه لا يميل الى الجدل، وآخرالصفات وأهمها أنه شارد الذهن، فيكون معك ولكنك تشعر أنه في مكان آخر ثم تكتشف انه كان منتبها الى امر اخر يتعلق بموضوع مختلف ، ابتسامته لا تفارق وجهه ولكن " لا تحسبن الليث يبتسم " .

مجدي الريماوي اكثرهم تحفزاً، ينتبه للجميع ومع ذلك لا يناقش أحد، فإما أن يكون قد فوجيء بزيارتنا أو أنه يستخدم scanner في رأسه فيطبع الانطباعات ويخزنها لحين الحاجة، ومن خبرتي في الحياة، أكثرهم حظاً في اقناع ذاته بما يريد دون الحاجة للآخرين فهو من النوع الذي ينجح في مصادقة نفسه عند الحاجة .

باسل الريماوي ، كان يمكن أن يكون بأية شخصية يريدها ، فهو من النوعية التي لا تجهد الاحزاب في الاستفادة منها ، ويصلح في المهام الخارجية لانه سريع الانخراط في الحياة .
وبما أن الحديث يدور عن مجرد انطباعات، فهو لا ينجج ليكون صاحب قصة لوحده، ولا بد من وجود اشخاص كثر من حوله لتتألق شخصيته او تبرز في الاطار العام .

حمدي قرعان والذي لقبته الصحافة العبرية بحمدي الفورد، في اشارة لنوعية السيارات التي يفضّل قيادتها.

وقد إستغربت جداً أن الجبهة الشعبية لم تنتهز وسامة هذا الشاب وطلّته السينمائية في الحملة الدعائية للانتخابات، وكان يمكن لصورته الملونة على بوستر احمر أن تستجذب أصوات آلاف الصبايا الفلسطينيات اللواتي سيعجبن بشخصيته وخصوصاً إذا ما كتب تحت صورته قاتل رهبعام زئيفي فهو سينافس وبلا شك صور تشي جيفارا ولن يتردد الكثير من المراهقين والمراهقات ان يضعوا صورته في غرفهم .

وحمدي متوسط القامة والطول، يضع سنسالاً في عنقه ومع شعره المجّعد وعينيه الخبيثتين كان يمكن أن يشكّل مطلبا ملحا لكارلوس لو كان طليقا ، ولو رآه من قبل وديع حداد أو الجيش الايرلندي لاستمات من أجل ضمّه للعمل معه.

تتهمه أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بأنه استدرج فتاة روسية في الفندق لابعاد الشبهة عنه قبل أن يضغط على زناد المسدس ويدخل التاريخ كأول فدائي فلسطيني ينجح في قتل وزير إسرائيلي.

كصحافي، كنت لا أتردد في أن استثمر مليون دولار في انتاج فيلم سينمائي عن حمدي الفورد لأنني متأكد أن الفليم سيربح عشرة مليون دولار ومئة مليون مشاهد سيقفون في دور السينما العربية والعالمية بانتظار مشاهدته وكنت لا اتردد في تسمية الفلم جيفارا فلسطين .

وبالطبع هذا الفيلم لن يخرج ابداً للضوء لان الجبهة الشعبية كعادتها لا تحب البطولات الفردية ولن تقبل بذلك ، ولا تؤمن الا ببطولات الشعوب وان بطولة حمدي الفورد هي عبارة عن تلخيص مكثّف لبطولة الجماهير ؟؟؟

ففي منتصف السبعينات لم يتردد جورج حبش في فصل صديق عمره وديع حداد من الجبهة وقال عبارته الشهيرة( خيّروني بين الانضباط الحزبي ووديع فاخترت الانضباط الحزبي).

وعلى عكس الممثل العالمي ليوناردو دي كابريو الذي قدّم دور جاك في فيلم التايتانيك فان حمدي الفورد ، كان سيهرب طول العمر ويترك المخرج جميع المشاهدين يسألون : هل من هنا يأتي؟ أم من هنا يأتي؟