بقلم: د. صبري صيدم
لبعض الدول المانحة قناعة بأن الفلسطيني كلما اشتكى من الظلم والعدوان فإن الرد على الحروب والنكبات والجرائم المرتكبة بحقه، إنما يأتي عبر زيادة المساعدات والمنح والهبات، بصورة باتت لافتة للانتباه والتي من الواضح أنها تأتي لإسكات الفلسطيني أو لنفض اليد من المسؤولية أو التكفير عن الذنب بالمال، أو كلها مجتمعة.
ولو أن أحدنا اختار أن يراجع البيانات الصحافية الصادرة عن العديد من الدول الفاعلة مؤخراً، التي عبرت عن موقفها من المحرقة الدائرة في غزة، من دون أن تطلب أو تؤيد وقف إطلاق النار، لوجد وعوداً متجددةً بزيادة الدعم المالي، أو توفير دعم جديد، حتى إن تلك البيانات دأبت على اتباع نمط مستدام بغض النظر عن حجم الجرائم الإسرائيلية المتواصلة، إذ تبدأ بمداهنة الاحتلال، والتأكيد على حقها المزعوم بالدفاع عن النفس، ثم التعبير عن الحزن جراء استهداف إسرائيل للنساء والأطفال الفلسطينيين، ثم الإعلان عن زيادة المساعدات المعتادة أو تقديم مساعدات جديدة لهم.
هذا النهج المتكرر إنما يعكس حالة العجز في القرار وانبطاحاً مطلقاً أمام الرواية الصهيونية الاستعمارية، التي شرعنت قتل مليوني فلسطيني والحكم على ذريتهم بالإعدام.
فالمعركة وبفعل الفظائع التي ارتكبت ليست على فصيل بعينه، وإنما هي حربٌ على الشعب الفلسطيني بكامل أطيافه وممتلكاته ومشافيه ومساجده وكنائسه ومدارسه وجامعاته ومؤسساته وشركاته. الفلسطيني ليس كيساً للطحين، ولا مجردا من الأحاسيس والأحلام والطموح والأمنيات، يلقى به ذات اليمين وذات اليسار. والفلسطيني لا يستبدل حياة أبنائه وأهله وأحبابه بكيس طحين، أو مال قارون. الفلسطيني أصيل ولن يكون فدية لأحد، أو يقبل أن يشترى رضاه «بعطوة» عشائرية مادية.
بيوت الفلسطينيين ليست مباني من الطوب والإسمنت والحديد، وإنما هي منابت أحلامهم، ومكامن أسرارهم، ومرابض أفراحهم، وحاضنات بكائهم، فيها كبر أبناؤهم، ومعها أحلامهم ووطنيتهم وحبهم لفلسطين، وفي زواياها ازدحمت أفكارهم ومشاعرهم وضحكاتهم وصيحاتهم، ونمت معها وطنية أبنائهم وارتباطهم بأرضهم.. بيوت الفلسطينيين، مصانع الأمل، ومشافي الجراح ومهاجع العزيمة، لا يستبدلونها بمال ولا يقايضون ذرة تراب من أرضهم بحفنة دولارات ودعم ومشاريع.
الوطن بالنسبة للفلسطيني كما قال محمود درويش ليس حقيبة، وهو ليس بمسافر. لذلك فإن الوعد بالدعم والمال إنما يحتاج لأن يستبدل بالموقف والقرار، قرار بإنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين وإقامة الدولة.
لا ينفع أن تأتي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بصنوف السلاح وحاملات الطائرات وسلاح المستوطنين، بل عليهم أن يأتوا جميعاً بالموقف والقرار بعد ثلاثة أرباع قرن من تقاعسهم وإهمالهم للقضية الفلسطينية وما قاد إليه ذلك من نكبات ونكسات ومحارق. الساكت عن الجريمة والداعم لاستمرارها بالقرار والمال والسلاح لا يمكن إلا أن يفتح عليه باب المساءلة والملاحقة الجنائية، فهل تغير غزة من التفكير الاستعماري التهجيري المتأصل؟ أم تبقى الحروب والنكبات عنوان المنطقة؟ ننتظر ونرى!