السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

مقابر الأحياء!

نشر بتاريخ: 06/12/2023 ( آخر تحديث: 06/12/2023 الساعة: 15:53 )
مقابر الأحياء!

د. صبري صيدم

بهدوء وصمت كبيرين تنفذ إسرائيل سياسة الإعدام الصامت بحق الأسرى الفلسطينيين في سجونها، عبر تبني سياسة القمع اللامتناهي والقائم على التعذيب وحرمان الأسرى من أبسط مقومات الحياة الآدمية. وتأتي هذه السياسة في إطار تنفيذ حرفي لقرارات من يسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي لم يكتفِ بإصدار قراراته التنكيلية، قبيل أكتوبر/تشرين الأول الماضي فحسب، بل شارك وسائل إعلام إسرائيلية في جولات تعذيب حية وحضور علني للبعض منها، حسبما رشح من صور وأفلام. وقد مهدت الحرب على الهوية الفلسطينية التي تخوضها إسرائيل اليوم في غزة والضفة، إلى تنفيذ هذا النهج بعد أن أجله رئيس حكومة التطرف بنيامين نتنياهو سابقاً، ليس لأسباب إنسانية، بل لأهداف تكتيكية، لم تتح للحكومة سابقاً الانتقال الفج نحو تنفيذها.

وتشير قصص الناجين من محارق السجون إلى أن الاعتداء على الأسرى لا يرتبط بقضاياهم فحسب، وإنما يأتي أيضاً في إطار الانتقام لأحداث السابع من أكتوبر الماضي، عبر اجراءات مفرطة في الوحشية والتعذيب، وبصورة تجمع بين العنف الجسدي والنفسي والإذلال الشخصي والحرمان الشامل من كامل احتياجات الحياة اليومية.

وقد ساهم وصف الفلسطينيين من قبل وزير دفاع الاحتلال الصهيوني يوآف غالانت بـ»الحيوانات البشرية»، في نزع الصفة الآدمية عن الشعب الفلسطيني، وهو ما شرعن للاحتلال تصعيد وتيرة الاعتداءات على أنواعها. فالمستوطن مثلاً لا يزود بالسلاح فقط، بل يمنح وبصورة آلية حقاً مباشراً بالقتل خارج القانون. والسجان لا يرتبط بأي ضوابط ومحددات، بل يطلق العنان لنفسه لتعذيب وتقتيل السجناء، وهو ما يتم حتماً خارج القانون، جراء غياب الرقابة على السجون، وغياب الدور المناط بالمؤسسات ذات العلاقة ومنها، الصليب الأحمر الذي لم يعد يسمح له بزيارة تلك السجون، وفق الإجراءات المعتادة فحسب، بل أبلغ رسمياً بإلغاء زيارات السجناء من قبل ذويهم.

وبهذا تكون الحرب الدائرة في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة وتلك الحرب المسعورة على الأهل في الداخل، لا تقتصر على من هم خارج السجون، بل تشتمل على كل من هم داخلها بصورة متفاقمة ومتصاعدة، خاصة مع غياب الإعلام واستشهاد العديد من الأسرى خلال الأسابيع القليلة الماضية.

أما أعداد السجناء والسجينات فقد تفاقمت بصورة كبيرة مع زيادة الاعتقالات في الضفة الغربية وتجاوزها حاجز الـ3000 سجين تقريباً وتجاوز من تم اعتقالهم أثناء تنقلهم من شمال غزة إلى جنوبها حاجز الـ4000 شخص حسب التوقعات، ناهيكم عن عدد أولئك القابعين في السجون قبيل السابع من أكتوبر الماضي، الذين تجاوز حاجز الـ5400 أسير.

إن قضية الأسرى الفلسطينيين وبكامل تفاصيلها لا تقل أهمية عن الحرب المسعورة التي يخوضها الاحتلال الغاشم ضد هويتنا ووجودنا، وهو ما يتطلب تدخلاً أممياً لإنقاذ هؤلاء من الوحش الإسرائيلي المنفلت، هؤلاء السجناء الذين تحولت زنازينهم إلى مقابر الأحياء، التي تشكل بدورها وصمة عار على جبين البشرية، فهل ستكترث البشرية بمحرقة القرن وتفاصيلها بما فيها قضية الأسرى الفلسطينيين؟ ننتظر ونرى !

[email protected]