الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحرب... صورة!

نشر بتاريخ: 13/12/2023 ( آخر تحديث: 13/12/2023 الساعة: 11:46 )
الحرب... صورة!



بقلم: د. صبري صيدم

تفاقمت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول تلك الحملة الشعواء التي تشن على المحتوى الفلسطيني عبر الفضاء الإلكتروني، بصورة يتم معها تحديث حجب الرقابة يومياً، لتشمل قوائم أطول من الكلمات والصور والموسيقى المرتبطة بفلسطين. ويأتي هذا الفعل بصورة متصاعدة تتزايد معه يومياً فرص التقليل من ذلك المحتوى على شبكات الإعلام بشكل عام، ليشكل هذا الأمر سقوطاً واضحاً وصريحاً للادعاء المزعوم بحرية الرأي والتعبير، ما يفاقم من خيبة الأمل العالمية حول السقوط الأخلاقي لمنظومة الحرية الفردية والجماعية.

بعيداً عن صخب الدبابات وأزيز الطائرات وصور الموت والدمار، يقدم فنانو العالم ومؤثروه عصارة إبداعاتهم، عبر منصات الإعلام الاجتماعي، وفي الفضاء الإلكتروني، تعبيراً منهم عن دعمهم لفلسطين وأهلها، في ظل المحرقة التي يتعرضون لها. وعليه تطال العدسات وفرشاة الفنانين والمصورين صوراً ولوحات، تربط المعاناة بالأشخاص، بغرض أنسنة الرسالة وترسيخ الصورة والهدف.

ويطال هذا المسعى أطفال فلسطين أيضاً، في محاولة أكيدة للتعبير عن الروح التي يتحلى بها هؤلاء الأطفال المصممون على الحياة والحب والفرح مهما تعاظم الظلم وساد الطغيان.

لكن هذه الصور الإنسانية البريئة والثمينة، التي تنشر تباعاً لا ترق للوغاريثمات الصد والحجب والمنع، خاصة إذا ما اشتملت على العلم أو الكوفية، أو الأقصى، أو الدمار أو رايات الفصائل الفلسطينية، أو أي من العناصر التي تشير إلى فلسطين الحبيبة، وذلك لقناعة متجذرة بأن الصورة تلك إنما تخدم القضية الفلسطينية وهو ما يخالف رغبات الاحتلال وحلفائه.

ولعل أكثر ما يقض مضاجع المحتلين، إنما يكمن في كثافة الإبداع العالمي القادر على توظيف رهافة الحس في التقاط صور أو رسم مشاهد، تنطق بالإباء والعزة والكرامة، في زمن شح فيه كل هذا وذاك، لكن براءة الصورة على حيوية تفاصيلها إنما تحاط بجدار إلكتروني يمنع وصولها للكثير من المتابعين والأصدقاء، بصورة أعلى من الوتيرة البشعة التي تحجب فيها أخبار فلسطين وعنادها وصمودها.

المعركة في فلسطين ومن فلسطين إنما هي على الصورة.. نعم، لأن الحيوانات البشرية، حسب تصنيف وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، لا تستحق التعبير عن حبها للأمل والحياة والفرح والوجود، حتى إن سعادة الأطفال تحت علم فلسطين الخفاق، تشكل مساحة لإغاظة البعض وقهره، كيف لا وهي تقول له إن صواريخك، وعدتك وعتادك، لم تقهر فرحي وإقبالي على الحياة، وهو ما يجعله يكثف الجهد مع مشغلي صفحات الإعلام الاجتماعي لتقييد الصور، والحد من انتشارها لأنها تعكس حالاً لا يريدها ولا يرضاها.

ولغرض الإعداد لهذا المقال فقد قمت باختيار أحد الرسومات البريئة والدافقة بالحياة، التي تظهر مجموعة من الأطفال المقبلين على الحياة في إحدى مدارس الإيواء، يركضون ويضحكون بينما يرفرف العلم الفلسطيني خلفهم، لأقوم بنشرها عبر منصات عديدة بغرض رصد التفاعل معها. الصورة حققت التفاعل الأقل بين عديد المنشورات الأخرى، ما يؤكد حجم القرصنة المفروضة على المحتوى الفلسطيني خاصة ما يغيظ منه المحتل، وهذا النوع من المنشورات التي تتحدى الرواية العسكرية وتصر على ثبات الفلسطيني وتقديره للحياة وصموده في حرب المواجهة. تجارب أخرى سقتها للغرض ذاته ـ التي سأكتب عنها في مقال لاحق ـ أقدم فيه المزيد من الحجج حول الحصار المفروض على المحتوى الفلسطيني عبر وسائط الإعلام على تعددها.

إذن الحرب ليست مدفعا ودبابات فحسب، بل هي صورة! صورة تهز عرش القتلة وتغرقهم في مساعٍ متواصلة للقضاء على الرواية الفلسطينية. فهل ينجح الحظر في مقابل الرأي والمنع في مقابل الصورة؟ ننتظر ونرى.