بقلم: د. صبري صيدم
كثيرة هي السيناريوهات التي طرحت بخصوص ما اصطلح على تسميته باليوم التالي للحرب على غزة، في تواتر واضح لأفكار متخبطة عكست طبيعة المواقف الأمريكية والمواقف الاحتلالية الصهيونية، التي يسعى من خلالها نتنياهو إلى شراء الوقت، خاصة مع تعثر جنازير دباباته في قطاع غزة.
وقد اشتملت مواقف الإدارة الأمريكية بدءاً بموقف الرئيس الأمريكي ونائبته ووزير خارجيته ومستشار الأمن القومي ومستشاري الرئيس على تصريحات متناقضة ومتداخلة ومشوشة بصورة عنيفة، بينما تحدث رئيس حكومة الاحتلال عن احتلال جزئي لغزة ومسؤوليته الأمنية الكاملة على القطاع، واستخدام قوات عربية أو دولية أو حتى الذهاب نحو تشكيل حكومة محلية.
وبين هذا وذاك تبقى الحقيقة متوارية حتى تاريخه، التي يخفيها نتنياهو، بينما يستخدم إطالة النقاش لإطالة أمد الحرب قدر الإمكان، واقتناص الوقت الكافي لإتمام مهمته المعلنة بالقضاء على حركة حماس، واسترداد معتقليه في غزة، لكن رياح نتنياهو لا تمشي بما تشتهيه سفنه، وهو ما عطّل حربه المسعورة وأخّر تطبيق مراحله المجنونة للأسباب التالية:
1 ـ رفض عدد كبير من أبناء غزة مغادرة شمال القطاع ومدينة غزة نحو المنطقة الآمنة المزعومة، تمسكاً ببيوتهم ورفضهم التهجير وتكرار نكبة عام 1948، إضافة إلى تكدس عدد ضخم من اللاجئين في وسط القطاع وجنوبه، وهو ما فاقم التدهور السريع لجهود الإغاثة، وشجع الكثيرين على البقاء في بيوتهم ورفض التحرك نحو الجنوب.
2 ـ تحول المشافي والمدارس والمساجد والكنائس وبعض مقار الأمم المتحدة إلى مآوٍ مكتظة بالناس في المناطق المهجرة، واضطرار جيش الاحتلال لاستخدام كامل صنوف سلاحه لتهجيرهم بالقتل والترهيب والمداهمة والاعتقال والقتل بدم بارد.
3 ـ دخول المشافي على خط المواجهة المباشرة وهو ما زاد من التعاطف العالمي، ودفع إسرائيل لفبركة الروايات والمسرحيات المعطوبة حول تلك المشافي، وما صاحب ذلك من سقوط إعلامي إسرائيلي مدوٍ، وتعاظم لتعاطف شعبي ورسمي ودولي مع فلسطين وأهلها وبصورة غير مسبوقة.
4 ـ تآكل الدعم الرسمي والشعبي لحكومة الاحتلال في دولة الاحتلال وحول العالم، وارتفاع الصوت المناهض لمشاهد الدمار والخراب والقتل والجرائم، التي صاحبت محرقة غزة.
5- صمود القطاع أمام هول الجريمة المتواصلة وتعثر العملية العسكرية بفعل الصد العنيف الذي واجهته ودخولها في مساحات الخطأ والهفوات، التي أنهكت معنويات الجيش والشارع وقوبلت بموجة هجومٍ كبير ومتفاقم بفعل منصات الإعلام على تعددها، خاصة بعد عمليات قتل الرهائن الإسرائيليين الثلاثة بالنيران «الصديقة» لجيش الاحتلال.
6- تكدس اللاجئين في الجنوب، الذي فرض نفسه لوجستياً على العملية العسكرية، خاصة أمام إصرار المتواطئين والداعمين والمؤازرين لهذه المحرقة على توخي الحذر في قصف المناطق المأهولة، بدعوى الحرص على المدنيين، بينما هم في الواقع منشغلون بتآكل الدعم الدولي وتنامي جبهة الرفض الإعلامية والشعبية عالمياً.
7 ـ التغير الكبير في مواقف الدول الرافضة للعدوان، وهذا ما عكس نفسه على التصويت في مجلس الأمن الدولي.
وعليه فإن نقاش نتنياهو لليوم التالي ومسعاه لشراء الوقت يجب أن يقابل بنقاش يخص اليوم التالي لنتنياهو بعد غزة، وهو الساعي بكل شراسة ودموية للبقاء في السلطة حتى آخر فلسطيني، فالرجل لم يسقط في معركة غزة فقط، بل في كل نزواته العدوانية بما فيها محاولة تسويق حربه على أنها حرب دينية، ليخذله اليهود المتنورون حول العالم، الذين شاركوا بالآلاف في المسيرات الداعمة لفلسطين في كل عواصم ومدن العالم تقريباً.
هؤلاء اليهود ومن يشاركهم الرأي والموقف عليهم أن يتخذوا موقفاً متصاعداً من داخل البيت اليهودي للفظ نتنياهو وإنهاء مغامراته، كونه يغذي مفاهيم الكراهية حول العالم ويشجع على العنف ويدفع العالم لتصعيد المسارات البائسة لمعاداة السامية المقيتة، والحرب على الإسلام والمسيحيين المفروضة. نتينياهو ليس قدر اليهود ولا العالم الساعي للحرية والخلاص بكل مكوناته ومساربه، فهل تنتهي مسرحية اليوم التالي نحو سقوط نتنياهو في يومه التالي بعد الحرب؟ ننتظر ونرى.