الجمعة: 22/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

جنون الجغرافيا

نشر بتاريخ: 03/01/2024 ( آخر تحديث: 03/01/2024 الساعة: 10:32 )
جنون الجغرافيا



بقلم: د. صبري صيدم

لم يعد لإسرائيل غطاء سياسي كاف لاستكمال عمليتها العسكرية في غزة، وليس لديها مبرر كافٍ لاجتياح الضفة الغربية، ولا أي سبب مقنع للعودة لمعادلة الحزام الأمني في لبنان، خاصة بعد أن عطلت غزة مسار تقدم الجيش الإسرائيلي، متسببة باستطالة العملية العسكرية، ونفاد المدد الزمنية المتاحة للحرب، وتآكل الدعم الشعبي لإسرائيل واقتراب موعد الانتخابات الأمريكية.

ما المطلوب إذن حسب مصادر الجيش الإسرائيلي؟ نعم، استثارة الفلسطينيين واللبنانيين باتجاه الرد على عملية «دسمة» أو اغتيال «مزلزل»، يثير مشاعرهم ويدفعهم للرد بقدر يكفي ليستخدمه الاحتلال لتنفيذ ترحيل الغزيين إلى سيناء والعالم، وقصف بيروت ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وبدء عملية واسعة النطاق في الضفة الغربية.

لسيناريو الاغتيال الغلبة في العقلية العسكرية الإسرائيلية، خاصة أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله كان قد أشار إلى «رد كبير» في حال أقدمت إسرائيل على اغتيال شخصية لبنانية، أو عربية أو إيرانية، لذلك جاء اغتيال الشيخ صالح العاروري ليستقدم رد حزب الله وقائمة لا تنتهي من احتمالات الرد في غزة والضفة.

معركة «العماليق» التي يريدها نتنياهو تعكس القدر الذي يحمله جنون الجغرافية في عقلية الرجل ومن معه من أرباب اليمين المتطرف، وصولاً إلى تحقيق الوعد الصهيوني بتوسيع نفوذ الاحتلال على الجغرافية، من دون وجود فلسطيني، عربي يذكر. معركة الإحلال الرامية إلى استرضاء جنون الجغرافية ستحتاج في ما تحتاجه إلى جولات وجولات من التصعيد والاستثارة، بحثاً عن ذرائع للاحتلال لتوسيع رقعة تمدده وتنفيذ طموحات الدولة التي يريدها نتنياهو، ضمن منظور الشرق الأوسط الجديد.. شرق أوسط بلا فلسطين وبلا فلسطينيين فيها.

شرق أوسط يجعل حقول الغاز في غزة والنفط المدفون في الضفة مخزوناً متاحاً لإسرائيل، خدمة لمشروع الازدهار المنشود الذي حدّث نتنياهو العالم حوله في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي. إسرائيل أيقونة اقتصادية كما يريدها نتنياهو؟ لن تكون، خاصة أمام تنامي الردة الدولية تجاه الدعم السابق لإسرائيل.

فحرب غزة أثبتت أن دولة الديمقراطية الوحيدة المزعومة في الشرق الأوسط لا علاقة لها بالديمقراطية، ودولة الهاي تيك الأكثر تطوراُ في العالم، لا علاقة لها بآدمية الهاي تيك، ليس لتطويرها لصنوف السلاح الفتاك فحسب، بل لأنها توظف التكنولوجيا للتجسس والتسليح والمراقبة والسيطرة وشن الحروب. دولة بهذه المواصفات تسمح لجنون الجغرافية أن يحولها إلى عنوان مستتر للضغينة والخداع، لا يمكن إلا أن تنكشف أمام العالم فتذهب مصداقية مفاصيل الترويج حول العالم. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وليس بالظلم والقتل والدمار والبطش والنهب والسلب يمكن أن يحقق إلا المزيد من الكراهية والحقد واللفظ.

لذلك آن الأوان ليهود العالم الذين انضموا للاحتجاجات الأخيرة ضد المحرقة العسكرية في غزة، أن يعاودوا النظر في مشروع دولة الصهاينة، الذي يحاول إلباسها مفهوماُ دينياً، لتبوء محاولاته المتكررة بالفشل. فلا حرب «العماليق» ولا جيوش الحرب قاطبة قادرة على الإطاحة بالفلسطينيين الذين قضى كبارهم فحقنت عروق صغارهم بحب القدس والأقصى وكنيسة القيامة… ننتظر ونرى!