بقلم: د. صبري صيدم
أرزقية الأزمات والانتخابات جمهور مكون من مجموعة من الساسة الغائبين عن المشهد، في بحبوحة الأيام ونوافلها، لا تراهم، لا تسمع منهم، ولا حتى يأتيك من أثرهم إلا النزر اليسير من الإطلالات التنظيرية المتواضعة، التي لا تعلق بذهن أحد.
ساسة كانوا يوماً في معترك السياسة والريادة والقيادة، تبوؤوا مواقع مختلفة ومناصب عدة، لكنهم غادروها لأسباب مختلفة يصعب حصرها، فتراهم مع تركهم لعالم السياسة يذهبون في مسارات حياتهم إلى عوالم الأكاديميا أو التجارة، أو الاستشارة، أو حتى خداع بعض الساسة والزعماء، بزعم توفير الرأي والمشورة، فيتحولون بصورة تدريجية إلى أدوات ارتزاقية، تجعل منهم دمى بشرية يتم استخدامها متى تطلب الأمر. وبين هذا وذاك يعتقد هؤلاء، أنهم انطلقوا نحو مهامهم الجديدة ليقدموا ما راكموه من خبرات وآراء يعتقدون معها أنها قد تزيدهم جاهاً وحظوةً وحضوراً وحبورا، ليكتشف أربابهم ذات يوم بأنهم ليسوا أكثر من بالونات فارغة، ارتضوا لأنفسهم المذلة والاستكساب. لكن ما أن يعلم هؤلاء بقرب موعد انتخابات ديمقراطية في بلدهم الأم، إلا ويعودون للمشاركة فيها، ساعين إلى التسوق عبر الأحزاب والفصائل، سعياً لتشتيت الصفوف وتقسيم المقسم وتشجيع مفاصل التخريب والتعطيل، مستخدمين المال والنفوذ بحثاً عن اي سبيل ممكن يعيدهم إلى مربع الحضور.
في المقابل ما أن تحل أزمة داخلية، أو حرب ما، أو مواجهة معينة، إلا وتراهم يصبحون بقدرة قادر، وبين عشية وضحاها، أبطال الفضائيات ونجومها وروادها الأوائل، فينفضون غبار التيه عن ياقاتهم ويذهبون إلى حد ابتذال الذات بتذكير الناس بأنفسهم والسعي المحموم لتقديم أوراق اعتماد لأطراف عدة بحثاً عن الحضور، وأملاً في الحصول على أي دور يعيدهم إلى الحياة السياسية ومساحة الضوء، حتى لو تحالفوا من أجل ذلك مع الشيطان وأعوانه.
يلمعون المظهر، ويكثرون الحضور، ويبتذلون النفس، ويتزلفون المقام، ويكثرون المقال، بحثاً عن تلك القشة التي تنقذهم، وتعيدهم بعدما طردوا، أو أبعدوا، أو استؤصلوا من الحياة الاجتماعية والسياسية واليومية، إلى تلك الحياة لتلبسهم طوق النجاة. أبطال الضراء وأرزقية البؤس وتجار الغمة وعتاولة التزلف، إنما يسعون لاستغباء الناس والضحك على الذقون، وإقناع النفس بأن الناس قد نسيت تاريخهم المأزوم وأخطاؤهم الفاقعة ونزواتهم الغامرة.
لهؤلاء لا بد من القول إن الناس لم تولد بالأمس، بل إنها تمتلك السمع والبصر والعقل وتستطيع التمييز بين غيابكم المعروف، وأسباب حضوركم الآن وفي محطاتنا الصعبة، وإن محاولة استثمار الأزمات وبيع المواقف وتسجيل النقاط، لن تنطلي على أحد، فهل تختفي ظاهرة الارتزاق في أزمان الأزمات في حياتنا السياسية الفلسطينية… ننتظر ونرى!