لاهاي- معا- دعمت جنوب أفريقيا اتهاماتها ضد إسرائيل بأدلة ملموسة من خلال الصور ومقاطع الفيديو التي قدمتها الخميس خلال أولى جلسات قضية "الإبادة الجماعية" المرفوعة ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وبينها صور ملتقطة بعدسات وكالة الأناضول.
وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب "جرائم إبادة جماعية" في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب شرسة منذ أكثر من 3 أشهر.
وقالت المحكمة في بيان، إن "الطلب المقدم يتعلق بانتهاكات إسرائيل المزعومة لالتزاماتها، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها، فيما يتعلق بالفلسطينيين في قطاع غزة".
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي علقت جنوب إفريقيا علاقاتها مع إسرائيل، احتجاجا على هجماتها في غزة، وسبق ذلك استدعاؤها سفير تل أبيب لديها، للتشاور بشأن الهجمات على القطاع.
والخميس، بدأت أولى جلسات المحاكمة في إطار هذه القضية، حيث استمع القضاة إلى مرافعات جنوب إفريقيا، على أن تستمع اليوم الجمعة إلى مرافعة إسرائيل.
وعقدت الجلسة الأولى بطريقة مفتوحة وبثت على الهواء مباشرة، واستمع خلالها قضاة محكمة العدل الدولية إلى طلبات جنوب إفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة، وعرض الفريق القانوني الجنوب إفريقي اتهاماته ضد إسرائيل مع مبرراتها وأدلتها.
وتركت العروض المؤثرة التي قدمها المحامون ضمن الفريق القانوني لجنوب إفريقيا بصماتها على جلسة الاستماع وجذبت انتباه العالم إلى عملية المحاكمة.
وطالب الفريق الجنوب إفريقي إسرائيل بوقف "فوري" لعملياتها العسكرية في غزة، قائلا إن ذلك هو "الحل الوحيد لتفادي المزيد من الموت والدمار غير اللازم" في قطاع غزة.
وقال إن "العنف بين إسرائيل وفلسطين لم يبدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولكن يتعرض الفلسطينيون للعنف الإسرائيلي خلال 76 عاما".
وأوضح أن "إسرائيل تقول إن هدفها من العمليات العسكرية هو تدمير "حماس"، لكن أشهرا من القصف المستمر وتدمير المباني ومنع الغذاء والدواء والاتصالات لا تندرج ضمن تلك المساعي".
وأضاف: "تطالب جنوب إفريقيا بوقف فوري للعمليات الإسرائيلية العسكرية في غزة، وهو الحل الوحيد لتفادي المزيد من الموت والدمار غير اللازم".
ودعا محكمة العدل الدولية إلى "استخدام سلطتها لمنع المزيد من الأذى للفلسطينيين في غزة"، مشيرا إلى أن "المجتمع الدولي خذل مرارا شعوب رواندا والبوسنة والهرسك والروهينغيا ويستمر في خذلان الفلسطينيين".
وأوضح الفريق القانوني أن "قطاع غزة تحول إلى معسكر اعتقال ترتكب فيه إبادة جماعية". وتابع: "الإبادة الجماعية ظهرت في مطالبة أعضاء بالكنيست الإسرائيلي بمحو غزة وتسويتها بالأرض، قائلين إنه لا أبرياء في غزة".
وشدد الفريق على أن "الوضع في غزة يتطلب تدخل محكمة العدل الدولية كما فعلت في قضية الروهينغيا"، مؤكدة أن "ما تقوم به إسرائيل في غزة من قصف وتهجير وحرمان من الاحتياجات الأساسية يشير إلى إبادة جماعية متعمدة".
وأشار إلى أنه "لن يوقف معاناة الفلسطينيين سوى قرار من هذه المحكمة"، خصوصا وأنه "لا مؤشر لتحمل إسرائيل مسؤوليتها بإعادة إعمار ما دمرته في غزة".
خطاب نتنياهو عن "العمالقة"
ومن بين الأدلة التي قدمها الفريق الجنوب إفريقي، خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن "شعب العماليق"، بجانب عرض مقطع فيديو يظهر جنودا إسرائيليين وهم يغنون ويمرحون بهتافات تطالب بـ"إبادة شعب العماليق".
ويُكثر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اقتباسات التوراة في خطاباته منذ بدء الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي،
وقال نتنياهو أواخر أكتوبر: "أصلي من أجل سلامة جنودنا: عسى الله أن يهزم أمامهم الأعداء الذين قاموا ضدنا! ليخضع أعداءنا لهم، ويكللهم بالخلاص والنصر".
كما اقتبس من سفر التثنية 17: 25، "أذكر ما فعله بك عماليق"، في إشارة إلى خروج اليهود من مصر. وأضاف: "نتذكر ونقاتل".
وقال نتنياهو في خطاب له: "بقوتنا المشتركة، وبإيمان عميق بعدالة قضيتنا وبأبدية إسرائيل، سوف نحقق نبوءة إشعياء 60: 18 "لَنْ يُسمَعَ الظُّلمُ فِي أرْضِكِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَرَابٌ وَدَمَارٌ ضِمنَ حُدُودِكِ. سَتُسَمِّينَ أسوَارَكِ خَلَاصًا، وَبَوَّابَاتِكِ تَسْبِيحًا".
واعتبر أن قيام إسرائيل معجزة ومثال للإيمان والعمل، وجاء في سفر صموئيل: "لا تكذب أبدية إسرائيل".
وفي خطاب آخر، قال نتنياهو: "تذكروا إنكم تواصلون درب أبطال شعب إسرائيل، من يشوع بن نون، ويهوذا المكابي، وأبطال 5708 (سنة عبرية سبقت حرب 1948)، وجميع حروب إسرائيل".
بيانات داعمة للدعوى
أشادت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بجهود جنوب إفريقيا حيال الدعوى، منتقدة دعم الدول الغربية لإسرائيل.
وفي تدوينة نشرتها على حسابها بمنصة "إكس"، مرفقة بصورة من قاعدة الجلسة، أكدت ألبانيز أن القضية التي تُحاكم فيها إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية "سوف تُسجل في التاريخ".
بدوره أعرب الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل، عن دعمه للدعوى المرفوعة ضد إسرائيل، وقال: "لن نكون أبدًا من بين أولئك الذين يظلون غير مبالين بهذا الوضع".
من جهته قال رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا: "بينما كان محامونا يدافعون عن قضيتنا (القضية الفلسطينية) في لاهاي، لم أشعر قط بالفخر الذي أشعر به اليوم وأنا أرى رونالد لامولا، ابن هذه الأرض، يدافع عن قضيتنا في المحكمة".
كما أعرب كل من كلير دالي وميك والاس وجريس أوسوليفان، الأعضاء الأيرلنديون في البرلمان الأوروبي، عن دعمهم للدعوى.
وخلال ساعات الجلسة الأولى في دعوى "الإبادة الجماعية"، خرجت مظاهرات مؤيدة في العديد من المدن مثل برلين وواشنطن ورام الله وكيب تاون وتونس، وعبر المشاركون عن شكرهم لجنوب إفريقيا.
وهاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الخميس، دولة جنوب إفريقيا، خلال مؤتمر صحفي بتل أبيب، في أول رد على الدعوى، قائلا إنّ "إسرائيل متهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية، بينما تحارب إبادة شعبها، إننا نحارب الإرهابيين، ونحارب الأكاذيب، واليوم نرى مرة أخرى عالماً مقلوباً"، وفق تعبيره.
وتساءل نتنياهو: "أين كانت جنوب إفريقيا حينما قتل شركاء حماس ملايين الأبرياء في سوريا واليمن؟"، معتبرا أن "النفاق الذي يصيب جنوب إفريقيا صارخ"، على حد زعمه. وتابع: "سنواصل محاربة الإرهابيين، وسنواصل صد الأكاذيب، وسنواصل الحفاظ على حقنا في الدفاع عن أنفسنا وتأمين مستقبلنا؛ حتى النصر المطلق". -