رام الله- معا- ستقوم مجموعة War Crime Watch التي تضم مجموعة مستقلة من خبراء القانون الدولي وحقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم، بمساعدة ودعم مركز حريات والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" (ICHR)، ومركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (JLAC) بهدف مقاضاة مجرمي الحرب في إسرائيل لارتكاب جرائم ضدالإنسانية والإبادة الجماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وفقاً لهذا الفهم والإصرار على محاسبة مجرمي الحرب وانتصاراً لكلمة الحق بالوسائل المتاحة كافة.
وشهد العالم في القرن العشرين، سلسلة من الكوارث الإنسانية المأساوية التي دفعت المجتمع الدولي إلى تأسيس مؤسسات حقوق الإنسان. المآسي التي خلفتها الحربين العالميتين الأولى والثانية، الإبادة الجماعية، الحملات الاستعمارية وما خلفت من دمار، ومن ثَمّ النزاعات المسلحة جميعها تطلبت استجابة العالم لهذه الأحداث المأساوية، وبناءً على ذلك تم تطوير نظام دولي من قبل القوى الأوروبية والدول الغربية. تم الترويج لهذا النظام الدولي بما فيه القانون الإنساني أو ما يعرف بقوانين الحرب على أنه خطوة هامة نحو تعزيز مفاهيم العدالة والاستقرار العالمي لمواجهة المآسي الإنسانية والتخفيف من وطأتها.
ومن أهم الاتفاقيات الدولية التي صيغت لتنظيم مسائل الحرب، هي اتفاقيات جنيف. قدمت اتفاقيات جنيف الأربع وملاحقها آليات عملية لضمان توفير الحماية المدنيين أثناء الحروب وتفاصيل التعامل مع فئات المدنيين من الأطفال والنساء والمرضى والطواقم الطبية، والإغاثية والصحفيين وممثلي وسائل الإعلام، إضافة لملف معاملة أسرى الحروب، ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقيات حقوق الطفل والمرأة والمنظمات المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، ومكافحة العنف ومكافحة أسلحة الدمار الشامل، مصدراً إضافياً للأمل والعدالة الإنسانية وحماية المدنيين.
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية في العام 2002 بهدف محاسبة الأفراد لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بما فيها جرائم الإبادة الجماعية، وتم اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما عام 1998. انضمام فلسطين لهذه المحكمة لم يكن أمراً بسيطاً، مسيرة دبلوماسية احتاجت للكثير من الصبر والتروي والعمل الجماعي والقيادة الاستراتيجية، ولم يكن انضماماً أوتوماتيكياً بل بدأ بالتوجه للأمم المتحدة لرفع مكانة فلسطين في العام 2012 إلى دولة غير عضو، الأمر الذي سمح بالانضمام لمجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وهنا تم تقديم الطلب الفلسطيني للإنضمام لميثاق روما الخاص بالمحكمة عام 2014-2015. لقد قبلت المدعية العامة فاتو بن سودا الولاية وكانت تنوي فتح التحقيق المتعلق بإحالة المجرمين الإسرائيليين تحت بند جرائم حرب، ولكن سرعان ما اعترضت إسرائيل بحجة أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة، أي شككت في الاختصاص الإقليمي للمحكمة، لذلك طلبت المدعية العامة من الدائرة التمهيدية رأيها في الاختصاص الإقليمي للتأكيد على موقف بن سودا بخروج موقف المحكمة بامتلاكها الولاية القانونية على مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة لتمكنها من فتح التحقيق، كان متوقعاً أن يأتي الرد خلال مدة لا تتجاوز 120 يوماً منذ نهاية 2019 وكنا نتأمل بأن تُباشر المحكمة التحقيق بملفات المجرمين الإسرائيليين بداية 2020، إلا أننا شهدنا تمديدات متتالية من قبل المحكمة، وهذا دليل آخر على أن المسيرة مُعقدة وتحتاج لكثير من الصبر والإجتهاد والعمل. ودعت الدائرة التمهيدية إسرائيل لتقديم الملاحظات بتاريخ 28 كانون ثاني 2020، لكن الأخيرة اختارت عدم الاستجابة المباشرة قانونياً، بل استمرت بالتشكيك وتوجيه الاتهامات السياسية للمحكمة والمدعية العامة.
وبتاريخ 2021/2/5، صدر قرار الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاص المحكمة بالنظر في جرائم الحرب المرتكبة، ليؤكد ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، وهذا القرار يعني أن موضوع الاختصاص الإقليمي للمحكمة على فلسطين لا مجال للتشكيك فيه، لقد أصبح مقراً رسمياً وقانونياً.
والآن على المحكمة البدء عملياً وتسريع إجراءاتها القضائية للتحقيق في الملفات المرفوعة أمامها ومنها الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل خلال عدوانها الإحتلال المتكرر ثلاث مرات على قطاع غزة، وملفي الأسرى والاستيطان منذ 2014 أي منذ انضمام فلسطين للميثاق وليس بأثر رجعي حسب القانون. وبموجب نظام روما الأساسي، لا تحاكم المحكمة الجنائية الدولية إلا الحالات التي تفشل فيها السلطات الوطنية بشكل واضح في ضمان المساءلة. وفي هذا السياق، فإن كل فحص للنظام القضائي الإسرائيلي فيما يتعلق بانتهاكات الحقوق الفلسطينية هو من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، قدم الفلسطينيون عام 2015 طلباً إلى مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكات نظام روما الأساسي في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، بداية من عام 2014.
وأضاعت المحكمة سنوات في الفصل في مسائل الاختصاص، قبل أن تؤكد أخيراً، في العام 2021، أن لديها ولاية إجراء تحقيقات قانونية في الأراضي المحتلة، وعندما فشلت إسرائيل في منع انضمام الفلسطينيين، بدأت بممارسة (الدبلوماسية) القسرية من خلال العقوبات الاقتصادية واحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية التي كان من الواجب عليها قانوناً تحويلها للسلطة الفلسطينية وفرضت مجموعة متنوعة من القيود على المسؤولين الفلسطينيين، وهددت بمعاقبة السلطة الفلسطينية بطرق إضافية، فيما عبرت الولايات المتحدة عن استيائها بوضوح، ووجهت إجراءاتها الانتقامية مباشرة نحو المحكمة الجنائية الدولية وفرضت واشنطن عقوبات على فاتو بن سودا، سلف كريم خان. وهذه هي الطريقة التي اتبعتها واشنطن لإبلاغ المحكمة الجنائية الدولية بأن ليس لها الحق في التحقيق في جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين أو في سلوك الولايات المتحدة في أفغانستان.
وفي عام 2002، تبنت الولايات المتحدة تشريعاً يُعرف باسم قانون لاهاي للغزو، والذي يسمح للجيش الأمريكي بغزو هولندا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وإطلاق سراح أي مواطن أمريكي محتجز لدى المحكمة الجنائية الدولية. بينما واصل الأوروبيون تأكيد دعمهم للمحكمة الجنائية الدولية في حين قدموا حججاً قانونية باطلة إلى المحكمة مصرين على أنها لا تتمتع بالولاية القضائية على فلسطين. المثير أن إسرائيل والولايات المتحدة غير أعضاء وتعارضان وجود المحكمة ذاتها.
وترتكب إسرائيل حالياً إبادة جماعية في قطاع غزة، مما دفع العديد من الحقوقيين لتقديم قضايا ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية. إن هذه القضايا وبشكل خاص قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل حيث قدمت ألمانيا طلب تدخل إليها، وقامت جنوب إفريقيا لاحقاً باتهام الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بالتواطئ في جريمة الإبادة الجماعية، ستشكل مرحلة محورية في القانون الدولي الذي تم سنه من قبل القوى الاستعمارية في العالم. فهل ستتمكن هذه الأدوات القانونية والمنظمات الدولية المتأتية عنها بإثبات قدرتها على خدم مصالح دول الجنوب أم لا؟.