بيت لحم- معا- أعاد مشهد اغتيال الشبان الثلاثة في مدينة جنين، الدور الاجرامي والقتل الممنهج الذي تمارسه القوات الحاصة الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا.
وكان 12 جنديا من أفراد قوة خاصة إسرائيلية قد نفذوا، في ساعات الصباح الأولى من اليوم الثلاثاء، عملية اغتيال لثلاثة شبان بينهم شقيقان، بعد تسللهم إلى الطابق الثالث في مسستشفى ابن سينا في مدينة جنين.
تنكر أعضاء وحدة المستعربين بالزي المدني، ولباس الأطباء والممرضين، واغتالت الشبان الثلاثة باستخدام مسدسات كاتمة للصوت.
وعلى مدار السنوات الماضية، خاصة خلال العامين الأخيرين نفذ المستعربون عدة عمليات اغتيال تركزت في محافظات جنين وطولكرم ونابلس، وغيرها من المحافظات، متنكرين بالزي المدني في أغلب الأحيان، ومستقلين مركبات مدنية.
وتُعرف هذه الوحدة بأنها وحدة أمنية سرية وخاصة، وتطلق عليها ألقاب مختلفة، منها فرق الموت، ويزرع أعضاؤها بملامح تشبه الملامح العربية وسط المحتجين والمتظاهرين، إذ يلبسون لباسهم وكوفيتهم ويتحدثون بلسانهم.
وبدأت فكرة المستعربين في سنوات الثلاثينيات عندما شكلت عصابة الهاجاناة فريق من أعضائها للقيام بمهام استخبارية وتنفيذ عمليات قتل وتصفية ضد الفلسطينيين، وكان أول مستعرب هو "أهارون حاييم كوهين"، ومع الزمن حُوّلت فرقة المستعربين إلى دوائر الاستخبارات العامة، وتقطّع استخدام المستعربين خلال العقود الأربعة الأولى بعد إعلان قيام دولة الاحتلال، ثم تجدد في أواخر ثمانينات القرن الماضي، بين عامي 1988 و1989 عند انطلاق الانتفاضة الأولى في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح المستعربون تحت إدارة وتوجيه جيش الاحتلال.
فقد أطلقت شرطة الاحتلال "وحدة مستعربين سرية جديدة" بين العرب داخل أراضي الـ48، بهدف إنشاء بنية تحتية استخباراتية تمكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من التحري عن العرب؟
ووفق شرطة الاحتلال فإن تشكيل هذه الوحدة بسبب معاناة الأجهزة استخباراتية الإسرائيلية من نقص في المعلومات، ومواجهتها الكثير من الصعوبات في العمل داخل المناطق العربية، مثل مدينة أم الفحم، أو حي الجواريش في الرملة.
وإضافة إلى هذه الوحدة، ثمة وحدة أخرى تابعة لشرطة الاحتلال تعمل منذ عدة سنوات في مدينة القدس الشرقية المحتلة والقرى المحيطة بها.
ووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، فإن وحدات المستعربين العسكرية في جيش الاحتلال، تتنكر بزي مختلف من أجل التسلل بين الجماعات العربية المختلفة، وذلك من أجل تحقيق هدف "أمني" محدد كما تدّعي.
وعادة ما يكون المستعربون ذوي ملامح شرقية، ويتخفَّون خلال المظاهرات أو العمليات الخاصة، بزي يشبه الزي المنتشر في المنطقة، ويقومون بأعمال تقنع المتظاهرين بأنهم منهم، مثل إلقاء الحجارة، وكأنها صوب جنود الاحتلال والشرطة، إلى أن يقتربوا من الأشخاص المستهدفين، فيختطفونهم تحت تهديد السلاح، أو يطلقون النار عليهم.
وتنشط حاليا عدة وحدات للمستعربين وهي، "دوفدفان" التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتنشط منذ عام 1986، وأساس عملها، تنفيذ عمليات اعتقال، واغتيالات.
وحدة "ي. م. س" التابعة لقوات "حرس الحدود"، وهي قوات تنضم إلى الجيش في زمن الحروب، وإلى الشرطة في زمن الهدوء، وهي ناشطة في الضفة المحتلة، وتعد واحدة من وحدات "النخبة"، وتنشط بعمليات كتلك التي تنشط بها الوحدات الشبيهة في التشكيلات العسكرية الأخرى، ولكنها بالذات تنشط بالتعاون مع جهاز "الشاباك".
"وحدة متسادا" التابعة لإدارة سجون الاحتلال، وأقيمت منذ بداية القرن الحالي، وتُعد واحدة من وحدات النخبة التابعة لجيش الاحتلال، وإضافة إلى المهمات التي تقوم بها باقي وحدات المستعربين، فهذه الوحدة متخصصة أيضا بإنقاذ أسرى وتحريرهم، والسعي إلى إلقاء القبض على من يهربون من السجون.
ورغم أن هذه الوحدة تابعة لإدارة السجون، إلا أنه يتم استخدامها لقمع المظاهرات في الضفة المحتلة، وخاصة المسيرات الأسبوعية، إذ برز اسمها في قمع مسيرات قرية بلعين الأسبوعية.
"غدعونيم": هي وحدة تابعة لشرطة الاحتلال، وأقيمت عام 1990 كوحدة مهمات خاصة، لكن أقامت داخلها فرقة مستعربين تعمل بشكل خاص في مدينة القدس المحتلة.
ومن المعلومات التي تتيح إسرائيل الوصول إليها عبر مواقع رسمية، فإن وحدة "يمام" الخاصة في جهاز ما يسمى بـ"حرس الحدود" التابع لشرطة الاحتلال، أنشئت في عام 1974، وهي متخصصة في مجال "الاستجابة للحالات القصوى"، وتعمل بالتعاون مع جميع القوى العسكرية في جيش الاحتلال وجهاز "الشاباك".
وتعمل هذه الوحدة كما هو معلن، في إطار عمليات سرية، ويتميز أفرادها بمهارات القنص والقرصنة والتخريب باستخدام وسائل تكنولوجية مبتكرة ومتقدمة.
وتُشتهر لدى سلطات الاحتلال وحدة خاصة أخرى تسمى "يسام"، وتتبع لجهاز شرطة الاحتلال، وتم تأهيل أفرادها للتعامل مع الاضطرابات والاستجابة للحوادث الخطيرة والتعامل مع حاملي الأسلحة.
وهناك كذلك وحدة "سييرت متكال" التي تأسست في عام 1957 وتخضع مباشرة لهيئة أركان جيش الاحتلال، وتصنف مع دائرة المخابرات. هدفها الأساسي جمع معلومات استخبارية والتدخل في عمليات عسكرية محددة الأهداف في الخارج.
وعام 2020 صدر كتاب "سيريت ماتكال"، الذي ألفه ضابطان في جيش الاحتلال، هما أفنير شور، وأفيرام هاليفي، ويتحدث عن العمليات السرية التي نفذتها وحدة "أتيمار" التي كانا يعملان فيها سابقا.
ويتحدث الكتاب عن تفاصيل عمليات الاغتيال التي نفذها جيش الاحتلال منذ عام 1972، وفي سرد لتفاصيل أبرز عملية اغتيال نفذتها الوحدة، إذ تعد واحدة من أبرز عمليات الاغتيال منذ الاحتلال الإسرائيلي، تحدث الكتاب بالتفصيل عن عملية تصفية أبو جهاد "خليل الوزير" عام 1988 في منزله بتونس.
وما ورد في الكتاب من تفاصيل العملية أن مقاتلا يدعى ناحوم كان يتجول في الساعة الثالثة فجرا أمام منزل أبو جهاد، وفي يده صندوق هدايا يخفي بداخله مسدسا كاتما للصوت، وهو الذي استخدمه في اغتيال حارس منزل أبو جهاد.
ويشرح الكتاب أن مقاتلا آخر يدعى يوحيى كان يتخفى بزي امرأة وكان يوفر الدعم والحماية لناحوم، إضافة إلى وجود عناصر من الموساد في تونس، كانوا يراقبون العملية حتى موعد تنفيذها.
وفي تفاصيل العملية يورد الكتاب: بعد أن تأكد "ناحوم" أن الطريق سالك إلى منزل أبو جهاد، توجه صوب المركبة التي جلس بها الحارس، وتعمّد التوجه من شباك المقعد بجوار السائق، وطرق الزجاج حاملا المنشور السياحي، سائلا "أين هذا الفندق؟" وعند خروج الحارس من المركبة أطلق ناحوم 3 رصاصات صوب رأسه وأرداه قتيلا.
ثم ينتقل السرد إلى نقطة اغتيال أبو جهاد، "بعد ذلك يطلب المقاتل المتخفي بزي امرأة من قائد الوحدة يعالون أن يقتحم مع مجموعته منزل أبو جهاد بعد أن نُفذت المرحلة الأولى من العملية بنجاح، وعليه ينضم إلى فريق الاغتيال داخل المنزل فريق آخر من عناصر الوحدة وعددهم 6 مقاتلين بقيادة الملقب "ح"، الذي صعد مع المقاتلين إلى الطابق الثاني، حيث من المفترض أن يوجد أبو جهاد، وسمع فريق الاغتيال أصوات تجهيز الرصاص في مسدس.
انتشر فريق الاغتيال في الطابق الثاني، وشاهد قائد الفريق "ح" الذي توجه إلى جهة اليمين على بعد 4 أمتار أبو جهاد يشهر مسدسه وبجانبه زوجته التي شاهدت اختراق ثماني رصاصات للقسم العلوي من جسد زوجها، وتسبب الرصاص بسقوطه ليغرق في دمائه قرب غرفة نومهما.
ويعيد الكتاب الذي يتضمن تفاصيل لعدد كبير من عمليات الاغتيال التي نفذتها وحدات وقوات خاصة إسرائيلية منذ سبعينيات القرن الماضي، والتي كان من أبرزها إضافة إلى عملية اغتيال خليل الوزير اغتيال ناجي العلي، وغسان كنفاني، وغيرها من عمليات اغتيال قادة حركة التحرير الفلسطينية، إلى الأذهان اعتماد جيش الاحتلال منذ بدء العمليات العسكرية والاقتحامات في مدن الضفة الغربية العام الماضي وحتى اليوم، على القوات الخاصة لاغتيال الفلسطينيين.
ويعتبر حقوقيون أن استخدام إسرائيل لقوات خاصة متخفية بهدف قتل الشبان الفلسطينيين هو جريمة حرب وعمل يتنافى مع كل المواثيق الدولية.
ويقول مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين: "سياسات القتل هذه هي إعدامات خارج نطاق القانون، والقانون الدولي يعتبر القتل بعد التخفي هو بمثابة الغدر، وهذا ما يسمى جرائم حرب".
ويضيف، "القوة الاحتلالية يجب أن توجد في الأراضي التي تحتلها قوى بوليسية أو شرطية فقط، لكن عمليات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل وإرسال قوات مقاتلة داخل المناطق المحتلة هي عمليات حربية، وهذا انتهاك لاتفاقيات جنيف ولاهاي".