رام الله - معا - مضت أكثر من أربعة شهور ونصف على العدوان والحرب على قطاع غزة، وما نتج عنها من استشهاد أكثر من 29 ألفاً وجرح أكثر من 69 ألفاً غالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ ونزوح أكثر من 1.7 مليون شخصا من مختلف مناطق قطاع غزة، وتدمير أكثر من 70 ألف وحدة سكنية بشكل كلي وأكثر من 290 ألف وحدة دمرت جزئياً ومئات المباني التعليمية من المدارس والجامعات والمعاهد وآلاف المنشآت الاقتصادية وتدمير المساجد والكنائس والمرافق الصحية والبنى التحتية من الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات علماً أن الأرقام والمؤشرات مرشحة للارتفاع ما لم يتوقف العدوان والحرب على قطاع غزة، كما أدى هذا العدوان إلى عزل القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عاماً عن المحافظات الشمالية وعزله بالكامل عن العالم. وإننا ننظر ببالغ القلق على استمرار هذه الحرب وما سينتج عنه من سقوط مزيد من الشهداء والجرحى والتدمير ومحاولات تهجير السكان ومنع وصول المساعدات الإنسانية وتجويع السكان وخصوصاً في مناطق شمال غزة.
وبحسب تقرير مشترك للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية حول أداء الاقتصاد الفلسطيني عام 2023 يعتبر ذلك نكبة جديدة في ظل عدم اتخاذ خطوات جدية لوقف هذه الحرب من قبل الدول المؤثرة، ناهيك عن ما يحصل في الضفة الغربية والقدس من ممارسات تعسفية من قتل واعتقالات واجتياحات متكررة واعتداءات المستوطنين المتواصلة على المدن والقرى الفلسطينية، إضافة إلى صعوبة الحركة والتنقل بين المناطق الفلسطينية بسبب الحواجز العسكرية والإغلاقات وتركيب البوابات الحديدية على مداخل غالبية المدن والقرى الفلسطينية وتقطيع أوصالها.
وأفاد التقرير أنه في الربع الرابع من العام 2023 (الثلاث شهور الأولى من الحرب على غزة) حصل انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 80% وارتفاع معدلات البطالة لأكثر من 74% بعد أن كانت 45% في الربع الثالث، وفي الضفة الغربية تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 22% ومعدلات بطالة بلغت 29% بعد أن كانت 13% في الربع الثالث من 2023.
ولتسليط الضوء على الآثار الاقتصادية للحرب على قطاع غزة والضفة الغربية، أجرى اتحاد الغرف التجارية الصناعية الزراعية الفلسطينية وبدعم من منظمة العمل الدولية دراسة على عينة من المنشآت في الضفة الغربية والقدس لتقييم آثار وتداعيات الحرب والإجراءات والممارسات الإسرائيلية على القطاع الخاص (في المحافظات الشمالية) خلال الربع الأخير من العام 2023، حيث شملت 701 منشأة إضافة إلى حلقات نقاش وجاهية لممثلين عن قطاعات: الصناعة، الزراعة، السياحة، النقل والشحن، تجارة الجملة والتجزئة، المقاولات والإنشاءات والمالية والتأمين والوقوف على المشاكل والتحديات التي يواجهها القطاع الخاص والتدابير التي تم اتخاذها للتعامل معها والتخفيف من آثارها ضمن الإمكانيات والإجراءات المتاحة.
وبشكل عام تشير النتائج إلى أن القطاع الخاص والسوق المحلي يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة من حيث انخفاض الطاقة الإنتاجية القدرة على استمرارية التوظيف والاحتفاظ بالعاملين في المنشآت واضطرابات في سلاسل التوريد، وزيادة تكاليف النقل والشحن وانخفاض القوة الشرائية ونقص السيولة بسبب عدم دفع رواتب القطاع العام وتعطل العاملين داخل مناطق الخط الأخضر وما يصاحبها من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ذلك. كما أعرب أصحاب العمل عن مخاوفهم بشأن التذبذب في التوريد والحصول على المواد الخام والاستيراد والتصدير نظراً للأوضاع الحالية والأوضاع في منطقة البحر الأحمر وآثارها على الشحن الدولي من حيث زيادة مدة التسليم وارتفاع تكاليف الشحن دولياً وارتفاع "بوالص" التأمين إضافة إلى محدودية ساعات عمل معبر الكرامة – جسر الملك حسين الذي يعمل بواقع 30 ساعة أسبوعياً.
ومن أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة بشكل عام هو تأثر كافة القطاعات والشركات المستطلعة آراؤها سلباً بواقع 98.8% من العينة، وأشار 97% إلى انخفاض مبيعاتهم، و90% يعانون من صعوبات في الإيفاء بالتزاماتهم المالية بسبب نقص السيولة النقدية، و82.5% يعانون من ارتفاع تكاليف النقل والشحن، و83.8% يواجهون صعوبات وتأخير في المستوردات والحصول على المواد الخام، كما أشار 70.8% إلى انخفاض في الطاقة الإنتاجية بالرغم من وصول العاملين إلى أماكن عملهم.
وفي المتوسط ومقارنة مع نفس الفترة من عام 2022: أشارت العينة إلى انخفاض بنسبة 66.89٪ في المبيعات وانخفاض 68.5% في الأرباح. حيث استأثر قطاع السياحة (الفنادق والمطاعم وغيرها) بنصيب الأسد من انخفاض المبيعات إذ انخفضت المبيعات لديهم بنسبة 77.6% تلاها قطاع النقل والشحن بانخفاض نسبته 72.35% ثم قطاع المقاولات والإنشاءات بنسبة انخفاض 68.5% ثم تجارة الجملة والتجزئة بانخفاض نسبته 68.1% ثم قطاع الصناعة بانخفاض نسبته 65.2%، فيما كانت نسبة الانخفاض في قطاع الزراعة 50.48% وقطاع الخدمات المالية والتأمين انخفاض بنسبة 37.5%.
وفيما يتعلق بعدد أيام العمل الشهرية انخفض متوسط عدد أيام العمل الشهرية في العينة بنسبة 48.2٪، حيث انخفض المعدل الشهري من 21.22 يوم قبل الحرب إلى 11 يوم مع نهاية الشهر الثالث للحرب، وكان الأثر الأكبر على قطاع المقاولات والإنشاءات حيث انخفض عدد أيام العمل الشهرية بنسبة 42% (من معدل 25.76 إلى 14.98 يوم عمل شهرياً) ثم قطاع الصناعة بنسبة 36% ثم قطاع السياحة بنسبة 35% تلاها قطاع التجارة بانخفاض أيام عمل شهرية نسبته 29.5% ثم الزراعة بنسبة 27.5% والنقل والشحن 26.5%. منوهين إلى أن الفنادق في قطاع السياحة مغلقة بشكل شبه كامل وتعمل بطاقة إنتاجية متدنية جداً.
أما بخصوص مشاكل السيولة النقدية بلغ مجموع قيمة الشيكات المرتجعة للشركات التي واجهت مشاكل في التحصيل وعددها 520 شركة أي 74% من العينة حوالي 21.2 مليون شيكل أي أن معدل حصة الشركة حوالي 40000 شيكل، بينما أفادت 382 شركة (54.5% من العينة) بأن مجموع قيمة الشيكات الصادرة عنها والتي رجعت لعدم كفاية الرصيد 8.9 مليون شيكل أي بمتوسط 23300 شيكل للشركة.
وحول التدابير المتخذة من قبل الشركات للتغلب والتخفيف من الأزمة تبين من الشركات التي أجابت أنها اتخذت تدابير محددة (وليس كامل العينة): أشار 52.3% إلى ضخ أموال من المالكين لتغطية الالتزامات و73.4% قاموا بخفض ساعات/أيام العمل لعدد من العاملين لخفض التكاليف، و52% قاموا بوقف عدد من العاملين مؤقتاً و40% أشاروا إلى الاحتفاظ بالعاملين المهرة ووقف العاملين غير المهرة، و27.6% قاموا بتسريح بعض العاملين دون دفع مستحقاتهم بسبب الأوضاع المالية التي يواجهونها مقابل 39% أشاروا أنهم قاموا بتسريح عدد من العاملين ودفع كافة مستحقاتهم دون وعود بعودتهم في حال تحسنت الظروف. كما توجه حوالي 20% للاقتراض من البنوك أو جهات أخرى للتغلب على مشاكل السيولة النقدية.
وأشار اتحاد الغرف الفلسطينية أنه يجب العمل على وقف الحرب فوراً وذلك تجنباً لتفاقم تداعياتها وآثارها الكارثية على المجالات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وضرورة العمل على فتح المعابر كي يتم إدخال المساعدات الإنسانية واستئناف التجارة الداخلية بين المحافظات الشمالية والجنوبية والتي تشكل 30% وكذلك المطالبة بتحويل أموال المقاصة التي تحتجزها سلطات الاحتلال الى الخزينة الفلسطينية لتمكين الحكومة من دفع رواتب موظفي القطاع العام ودفع المستحقات والإعادات الضريبية للقطاع الخاص علماً أن السوق الفلسطيني يعاني من نقص السيولة النقدية بسبب حجز المقاصة من الاحتلال الإسرائيلي ومنع العاملين الفلسطينيين من العمل في الداخل وتوقف دخول أهلنا من فلسطينيي الداخل إلى مناطق الضفة الغربية. كما أكد الاتحاد أنه في ظل استمرار هذه الحرب فإن القطاع الخاص سيواجه تحديات كبيرة تحد من قدرته على العمل بكامل طاقته الإنتاجية والاحتفاظ بالموظفين والمحافظة على مساهمته الاقتصادية والاجتماعية بالقدر الممكن. ناهيك عن أن الاستمرار في الحرب والعدوان على قطاع غزة سيؤدي إلى آثار كارثية متعددة الأبعاد إنسانية واجتماعية وصحية وتعليمية واقتصادية وبيئية وغيرها الأمر الذي سيحتاج إلى فترة طويلة في إعادة الإعمار والتعافي من تلك الآثار حسب أحدث التقديرات التي أشار إليها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).