رام الله- معا- بينت ورقة خاصة أصدرتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" أن السلطة القائمة بالاحتلال إسرائيل لم تلتزم بأي من التدابير التي قررتها محكمة العدل الدولية، بل ازداد الوضع سوءً منذ صدور القرار، خاصة على الصعيد الإنساني، وعمق من ذلك قرار عدد من الدول تعليق الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بعد يوم واحد من صدور القرار وكأنه تحد لإرادة المحكمة، وبات قطاع غزة على حافة الانهيار التام في الوضع الإنساني بشكل عام، وبخاصة الوضعين الغذائي والصحي، مع إمكانية حدوث انفجار في أعداد الوفيات نتيجة المجاعة وانتشار الأمراض، فقد تم تسجيل العديد من حالات الوفيات نتيجة الجوع، وانعدام الرعاية الطبية والصحية، ونفاذ الأدوية.
وأشارت الورقة الصادة مع مرور شهر على قرار محكمة العدل الدولية إلى أن الوضع القائم في قطاع غزة يقود لفقدان الثقة في المنظومة الدولية التي ظهر عجزها وتواطأها، وجاء قرار المحكمة ليعطي بارقة أمل ولو بسيطة، لكن دولة الاحتلال ومن يدعمها من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، اجهضت أي أمل، الامر الذي سيترك آثاراً بعيدة الأمد على الاستقرار ليس فقط في المنطقة وانما في العالم أجمع.
فبالاستناد للمادة (9) من اتفاقية منع الإبادة الجماعية لسنة 1948، رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوى ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، بتاريخ 19/12/2023، وفي إطار القضية تقدمت وفق المادة (41) من القانون الأساسي للمحكمة بطلب اصدار تدابير مؤقتة للحفاظ على حقوق الفلسطينيين، وفي جلستها الأولية المنعقدة يومي 11 و 12/1/2024 وبعد مرافعات شفوية من جنوب افريقيا ودولة الاحتلال، أصدرت المحكمة قرارها بتاريخ 26/01/2024، قبول دعوى جنوب افريقيا، وايضا إلزام إسرائيل بمجموعة من التدابير الاحترازية. ولعل أهمها، اتخاذ "إسرائيل" جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تندرج ضمن نطاق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، وبشكل خاص: (أ) قتل أفراد الجماعة (ب) التسبب في أذى جسدي أو نفسي خطير لأفراد الجماعة (ج) إلحاق الضرر عمدًا بالجماعة من خلال فرض ظروف حياة محسوبة لإحداث دمار جسدي فيها جزئيًا أو كليًا.
وتستعرض الورقة الخاصة، مدى التزام سلطات الاحتلال بالتدابير المؤقتة التي قررتها المحكمة بعد شهر من إقرارها. والمتمثلة في وقف أعمال الإبادة الجماعية، منع التحريض على عمليات الإبادة الجماعية، وتوفير الخدمات الأساسية الملحة والمساعدات الإنسانية، غير أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي استمرت في انتهاك القرارات الصادرة عن المحكمة ولم تتخذ أياً من الخطوات اللازمة لحماية حقوق الفلسطينيين وتجنب جميع الإجراءات التي يمكن أن تشكل جريمة إبادة جماعية. فأعمال الإبادة الجماعية ومنع التحريض على عمليات الإبادة الجماعية لا زالت متواصلة من طرف حكومة الاحتلال.
فعلى صعيد توفير الخدمات الأساسية الملحة والمساعدات الإنسانية، لا تزال حكومة الاحتلال تواصل سياسة التجويع كإحدى أدوات الإبادة الجماعية التي تنفذها في قطاع غزة، فبالإضافة إلى قصفها للشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية وتَعّمد استهداف أفراد الشرطة المدنية التي ترافق هذه القوافل لفرض النظام ومنع أي اعتداء محتمل عليها، فهي تواصل فرض قيود مشددة جداً على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فقد كان متوسط عدد الشاحنات التي تدخل قطاع غزة بشكل يومي قبل 7/أكتوبر يقدر بحوالي (500) شاحنة، وبعد هذا التاريخ انخفض هذا العدد بشكل كبير حتى وصل إلى قرابة (50) شاحنة يومياً، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية، والمستلزمات والمستهلكات الطبية، والدواء، ومادة الوقود بما فيها غاز الطهي، ونتيجة لهذا انتشر الجوع والأوبئة، على نطاق واسع، وبخاصة في شمال وادي غزة. كما تمنع "إسرائيل" دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع بشكل شبه كامل، ولم تُدخل الأونروا منذ 5 شباط/يناير أي شاحنة إلى شمال القطاع.
وتدمير المنظومة الصحية في قطاع غزة، حيث تم إخراج (31) مستشفى عن الخدمة من أصل (36) مستشفى، إضافة إلى تدمير (152) مؤسسة صحية، و(53) مركز رعاية أولية، وتدمير (124) مركبة إسعاف، وقتل (340) كادراً طبياً وصحياً، منهم متخصصين، يشكلون عصب المنظومة الصحية، واعتقال (99) آخرين منهم مدراء المستشفيات في شمال ووسط القطاع. وبالإضافة إلى كل ذلك تمنع "إسرائيل" وصول المساعدات الطبية الأساسية، بما فيها مادة الوقود الحيوية لعمل المستشفيات.
وتدمير المنظومة التعليمية المدرسية في قطاع غزة، فمن أصل (796) مدرسة في قطاع غزة هناك (390) مدرسة تعرضت لأضرار متفاوتة، منها (95) مدرسة خرجت عن الخدمة. وهناك (70) من المدارس المتضررة هي مدارس تابعة للأونروا، ويستخدم ما لا يقل عن (56) مدرسة منها كملاجئ للنازحين. كما تفيد البيانات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم بأن هناك (7) مدارس حكومية دمرت بشكل كلي، و(83) مدرسة تعرضت لأضرار بالغة، ويتم استخدام (133) مدرسة حكومية كمراكز لإيواء النازحين، مما يحرم قرابة (608,000) طالب من حقهم في التعليم. وتدمير منظومة التعليم الجامعي، فقد دمرت "إسرائيل" (5) جامعات من أصل (6) جامعات في قطاع غزة، وقتلت (166) استاذاً جامعياً، من بينهم (3) رؤساء جامعات، (95) عميداً، و(68) من حملة درجة الاستاذية. وتم حرمان حوالي (88,000) طالب/ة من مواصلة تعليمهم الجامعي في جامعات القطاع، ولم يتمكن قرابة (555) طالب/ة، من الالتحاق بجامعاتهم خارج قطاع غزة.
وتدمير المساكن والبنى التحتية، فحتى تاريخه دمرت "إسرائيل" بقصفها المتواصل والعنيف، جواً وبراً وبحراً ما يزيد عن (70,000) وحدة سكنية بشكل كلي، و(290,000) وحدة سكنية بشكل جزئي وهي غير صالحة للسكن. وما زال جيش الاحتلال يقوم بتدمير مربعات سكنية كاملة في قطاع غزة، ففي يوم 5 شباط/فبراير، قصف جيش الاحتلال مربعات سكنية وبنايات؛ بناية سكنية عالية في شمال خانيونس ووسطها، وبناية الحمد السكنية العالية غرب خانيونس، ومربعاً سكنياً في منطقة جورة العقاد في خانيونس أيضاً، في حين قُصفت عدة بنايات سكنية في مخيم خانيونس.
واستهداف مراكز إيواء النازحين، فقد تم الإبلاغ عن حوادث مختلفة أثرت على منشآت الأونروا والنازحين داخليا الذين يحتمون هناك. فهناك (325) حادثة أثرت على مباني الأونروا وعلى الأشخاص الموجودين داخلها منذ بدء العدوان، بما في ذلك ما لا يقل عن (46) حادثة استخدام عسكري و/أو تدخل في منشآت الأونروا. وقد تأثرت (153) منشأة مختلفة تابعة للأونروا جراء تلك الحوادث. وتقدر الأونروا أنه بالإجمال، استشهد ما لا يقل عن (401) نازحا يلتجئون في ملاجئ الأونروا وأصيب (1,385) آخرين على الأقل منذ بدء العدوان.
استمرار أوامر الاخلاء القسري، فوفي 5 شباط/فبراير أعاد جيش الاحتلال إعلان أوامر الإخلاء التي صدرت لأول مرة في 23 و29 يناير/كانون الثاني لسكان مناطق محددة في محافظتي خانيونس وغزة، على التوالي. منذ 7/تشرين الأول 2023، تم وضع (246) كيلومتراً مربعاً، أي ما يعادل (67%) من مساحة قطاع غزة، تحت أوامر الإخلاء غير القانونية. وكانت هذه المنطقة موطنًا لـ (1.78) مليون فلسطيني قبل 7/تشرين الأول 2023، وحتى أواخر كانون الأول 2023، كانت تضم (210) ملجأ تستضيف أكثر من (770,000) نازح داخلي. الورقة كاملة