الأربعاء: 20/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

يسقط الفيتو!

نشر بتاريخ: 28/02/2024 ( آخر تحديث: 28/02/2024 الساعة: 09:31 )
يسقط الفيتو!

بقلم: د. صبري صيدم

استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة منذ نشأته عام 1945 مرات ومرات، وصلت في عددها إلى 85 فيتو حتى تاريخه، خصص منها 46 فيتو ضد القضية الفلسطينية، و35 فيتو ضد إدانة الاحتلال. وتشير هذه الأرقام إلى أن 81 فيتو من أصل 85 أي أكثر من 95% منها، وظفت لصالح دولة الاحتلال، ما يؤكد طبيعة العلاقة المصلحية بين الطرفين، وكون الولايات المتحدة الأمريكية تشكل الواجهة السياسية والمالية واللوجستية والعسكرية لإسرائيل بصورة فاقعة وواضحة.

ويعتبر الفيتو أحد بقايا النهج الاستعماري القائم على قدرة الدول الغنية والمؤثرة على التحكم بالعالم بأسره، عبر منصة الأمم المتحدة، فارضة رغباتها، وحاجبة رغبات الدول الأخرى وإرادات شعوبها.

وعلى الرغم من أن أربع دول أخرى لها حق النقض، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر استخداماً لهذا الحق المزعوم لصالح دولة أجنبية واحدة، بينما استخدمها آخرون لصالح قضايا ودولٍ مختلفة.

ويبلغ عدد سكان «دول الفيتو» حتى تاريخه حوالي 2 مليار نسمة، ما لا يزيد عن 25% من سكان العالم، أي أن ربع العالم وعبر الفيتو المشؤوم يتحكمون بثلاثة أرباع البشرية قاطبة. بينما يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية مع كتابة هذه الكلمات 342 مليون نسمة، ما يشكل 4.27% من عدد سكان العالم.

ومع اندلاع المحرقة المفروضة على الشعب الفلسطيني منذ العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استخدمت أمريكا حق النقض ضد وقف تلك المحرقة ثلاث مرات، بينما أجمعت شعوب الأرض على أهمية وقف العدوان، ما يعني أن الإدارة الأمريكية التي تمثل 4.26% من سكان الأرض تعطي لنفسها، وعبر الفيتو المشؤوم حق الوقوف في وجه وقف ذلك العدوان، مقابل رغبة أكثر من 95% من سكان الكوكب عكس ذلك، بمن فيهم الملايين من رعاياها.

وعليه فإن انعدام العدالة في توظيف ذلك الحق، إنما يجعل منه أداة بالية لا تتناسب وحرية البشر وتحرره من الرق والعبودية، وتحول العالم إلى قرية كونية بفعل التطورات الرقمية، وتنامي النفاذ إلى المعلومات، واتساع دائرة التواصل الآني، والقدرة على التحقق من الأحداث، وتبيان وقائعها وتفصيلاتها وحقائقها، وفرز الوقائع قاطبة.

العالم تغير حتماً لكن الإدارة الأمريكية ما زالت تصادر هذا العالم، وتعاكس رغبات البشرية، وتسبح عكس التيار، خدمة لمصالحها، ومن دون الاكتراث بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والخلاص والاستقلال. وبينما تعد إسرائيل لعمليتها الكبرى في رفح وورود مئات التحذيرات الأممية بهذا الشأن، إلا أن دولة الاحتلال تصر على تلك العملية، وأمريكا تمهد الطريق عبر الطلب منها أن تستمر بقتل الفلسطينيين، لكن بترحيل من هم في رفح للمرة الخامسة، بعد أن سبق وأن أعلنت إسرائيل رفح وخان يونس والمنطقة الوسطى مناطق آمنة في قطاع غزة مع بداية الحرب.

يذكرنا هذا الموقف بمن يريد تنفيذ حكم الإعدام شنقاً، ومن يريد أن ينفذه عبر ما يعرف بـ»الموت الرحيم»، أي عبر قتل الناس الذين يعيشون في حالة الخطر عبر إطفاء المعدات التي تدعم بقاءهم على قيد الحياة.

تماماً كما في التعامل مع التجويع الممنهج للأهل في مدينة غزة وشمالها من قبل الاحتلال وإصراره عليه، مقابل رغبة أمريكا المزعومة بإدخال المزيد من المساعدات وامتناعها عن استخدام الفيتو لصالح دعم قرار مصمم لهذا الغرض، لتعود إسرائيل وتضرب عرض الحائط بهذا القرار.

إذن لا الفيتو ولا الموت الرحيم يكفي إسرائيل، ولذلك فإن أحد مخرجات الحرب يجب أن لا يكون وقفها فقط، وإنما إعادة النظر في الفيتو المشؤوم، وتغيير «ميكانزمات» اتخاذ القرار السياسي العالمي، والخلاص من الهيمنة البالية، ومن توظيف أحد مالكي الفيتو أجيراً في مجلس الأمن لصالح دولة انتهكت أكثر من ألف قرار صادر عن الأمم المتحدة وأطرها المتعددة.

لا بد من أن تستنهض فلسطين ضمير العالم في رفض التبعية، والتحلل من براثن الاستعمار وأدواته وإفرازاته، وإلا استمر اختطاف إرادات الشعوب حسب خريطة مصالح الكبار، وتحديداً أمريكا، التي حولت مجلس الأمن لمنصة تابعة للاحتلال الإسرائيلي ضمن إطار الحجب والرفض والصد، فهل تستفيق البشرية؟ ننتظر ونرى!

s‭.‬saidam@gmail‭.‬com