بقلم: صبري صيدم
مجنون هذا العالم الذي ترى فيه البشرية الولايات المتحدة الأمريكية تسقط عبر حليفتها إسرائيل القذائف والحمم على الآمنين في غزة، في الوقت ذاته الذي تسقط فيه الطعام جواً على الجمهور ذاته، فهل هذا انفصام في الشخصية، أم تبادل للأدوار؟
كيف لمن يزود إسرائيل بالسلاح والقرار، أن يقول بأنه لا يستطيع وقف الحرب؟ ولتخرج جوقة ناطقيه كل ليلة ولتبحر بنا في عالمٍ من المبررات والحجج والذرائع، ولتستمر الحرب ويستمر سحق الأطفال والنساء، بصورة لا تقض معها مضاجعهم، لا بحجم الجريمة النكراء، ولا بفعل الأنين المتواصل، وإنما بفعل مؤشرات القياس المرتبطة بالانتخابات.
لا مواقف ولا لقاءات ولا قمم ولا احتجاجات ولا اعتصامات، أو حتى محاكم نجحت في وقف الحرب بعد 150 يوماً من استعارها والسبب: الفيتو الأمريكي والقرار الضمني بالاستمرار، ليضاف إلى هذا النهج، حديث مؤذٍ تكرر فيه الدفاع المستميت عن الدولة العبرية، ليقول أحد الناطقين الأمريكيين: لا توجد أية مؤشرات على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، ليعود بعد أيام ويقول: لا توجد أية مؤشرات إلى أن إسرائيل تمنع دخول المساعدات، وبعدها: لا توجد أية مؤشرات إلى أن إسرائيل تستهدف الأطفال والنساء والشيوخ.. ولا.. ولا.. وألف لا، حتى يستمر شلومو بفعل ما يفعله في حرب «العماليق» التي يقودها.
ولكن مع احتدام سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، بدأت تتغير المواقف لتظهر، ولو صورياً، تبايناً مزعوماً في المواقف بين الإدارة الأمريكية وتل أبيب، ولتستقبل واشنطن غريم نتنياهو ومنافسه الأقوى على مقعد رئاسة الحكومة، وأحد أركان مجلس حربه، بيني غانتس، ولتطل نائبة الرئيس الأمريكي بتصريح قبل أيام وتحديداً بتاريخ 3 آذار/مارس الحالي، تقول فيه: يجب إعلان وقف إطلاق النار على الفور، وإن على إسرائيل إعادة الخدمات الأساسية واستعادة النظام في غزة، وأن الناس الذين كانوا يبحثون عن مساعدات في غزة قوبلوا بالأعيرة النارية وبالفوضى، ويأتي بعد هذا من يقول من قلب البيت الأبيض: إن إسرائيل تعرقل تدفق المساعدات، وأن أمريكا ستستمر في إلقاء الطعام جواً إلى الغزيين الجوعى، وأنها ستستخدم كل الطرق لإيصال الطعام… سبحان الله! لذا فإن السؤال البسيط: لماذا لا توقفون تدفق السلاح والدعم إذا كنتم فعلياً منشغلين على الأبرياء في غزة والضفة الغربية، مقابل انشغالكم على بقائكم في الحكم؟ وحتى لا تصل الهزات الفلسطينية الارتدادية إلى صناديق اقتراعكم فتساهم غزة بالإطاحة في الديمقراطيين لصالح غريمهم ترامب؟ كفى بالله عليكم استهزاءً بأحرار العالم وشعبنا وأهلنا في فلسطين الجريحة، فالمسرحية باتت سخيفة، وأموركم باتت فاقعة، ودور المجندين لخدمة المحتل والدفاع عنه من ناحيتكم، أصبحت واضحة للطفل قبل الكهل في فلسطين والعالم.
كفى استخفافاً بعالم بأسره. إذ لا يمكن أن يستقيم إلقاء القذائف مع إلقاء الطعام! فمن يريد الرأفة بالغلابة الذين ينتظرون سد جوعهم وجوع أبنائهم، عليه أن يتوقف عن قتلهم قولاً وفعلاً، فـ»الموت مقابل الغذاء» معادلة لا يمكن أن يقبلها أحد ولا أن يقتنع بها مهما حاول البعض تجميلها وتهذيبها. الحقيقة صارمة وصادمة وفاقعة لا تحتمل أنصاف الإنسانية، وإنما إنسانية مفعمة بالفعل والصدق والمصداقية، فهل وصلت الرسالة؟ ننتظر ونرى!