غزة- معا- وقف الشاب محمد الطباطيبي (19 عاما)، صباح اليوم السبت، بين عشرات جثامين الشهداء الممددة أرضًا في ساحة قسم الطوارئ بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح وسط قطاع غزة، وهو يبكي العديد من أفراد عائلته الذين راحوا ضحية غارة إسرائيلية.
وأصيب محمد في يده اليسرى جراء القصف الذي أودى بحياة 36 من أفراد عائلته وأقربائه في مخيم النصيرات قرب دير البلح.
أما الناجون، فأصيبوا بجروح في الغارة التي استهدفت عند سحور أول ليلة جمعة من شهر رمضان، منزل أقارب لهم لجأت إليهم العائلة طلبًا للأمان بعدما اضطرت للنزوح من شمال القطاع المدمر في العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وقال محمد لوكالة فرانس برس وهو يغالب دموعه "هذه أمي وهذا أبي وهذه عمتي وهؤلاء أخوتي... قصفوا البيت ونحن فيه. كانت أمي وعمتي تجهزان طعام السحور... كلهم استشهدوا. أنا لا أعرف لماذا قصفوا البيت وعَملوا مجزرة".
إضافة الى أفراد عائلة محمد، وصل إلى المستشفى خمسة شهداء و30 جريحًا، وفق إدارة المستشفى، أصيبوا في غارات إسرائيلية طالت مناطق أخرى في دير البلح وجوارها.
وضعت جثامين شهداء عائلة الطباطيبي والشهداء الآخرون في شاحنة مخصصة في الأصل لنقل المساعدات الإنسانية إلى وسط القطاع، استعان بها المستشفى لعدم توفر سيارات أو شاحنات ولا وقود، وفق ما أكد أحد مسؤوليه.
وكان من بين الشهداء عدد من الأطفال وإمرأتان من الحوامل. ولٌفت الجثث بأكياس بلاستيكية وأغطية ووضع عدد منها في أكياس الدفن الخاصة التي باتت نادرة جراء الحصيلة الهائلة للشهداء في القطاع منذ بدء العدوان.
وسار خلف الشاحنة جمع من المشيعين بينهم ثلاثة جرحى من العائلة، باتجاه "مقبرة الشهداء" في دير البلح حيث ووروا الثرى في حفرة كبيرة موازية للمقبرة الرئيسية التي لم تعد تتسع لمزيد من الموتى.
وبعد إفراغها، بقيت آثار الدماء على الشاحنة.
وفي موقع المنزل المدمّر جراء الغارة الإسرائيلية، كان يوسف الطباطيبي وهو من مخيم النصيرات يواصل البحث عن الضحايا بين الركام المنتشر على مساحة واسعة.
وقال لفرانس برس "نحن نبحث عن شهداء، وكما ترى نعمل بأيدينا"، مضيفا وهو يشير الى كيس أبيض اللون "هذه أشلاء جمعناها من هذا المنزل الذي كان مكونًا من أربعة طوابق. في الطابقين السفليين شهداء لا يمكننا إخراجهم. ليست لدينا معدات ولا جرافات ولا آليات ولا شيء... نحن نعمل بأيدينا".
وتابع "أحضرنا شواكيش ومهدّات، ولكن دون جدوى... أنظر إلى حجم الدمار".
وأفادت مصادر محلية بأن الاحتلال الإسرائيلي شن أكثر من 60 غارة ليلة الجمعة وفجر السبت، حيث استهدف أكثر من 12 منزلاً آمنًا في جريمة قتل مكتملة الأركان تُرسّخ الإبادة الجماعية ضد المدنيين والأطفال والنساء.
وفي مدينة رفح بأقصى جنوب القطاع، استهدفت غارة إسرائيلية استهدفت كذلك عند السحور منزل مؤذن مسجد حي خربة العدس عصام ضهير، فاستشهد هو وابناه.
وقال قريبهم وجارهم محمود ضهير (41 عاما) لفرانس برس "قصفوا بيت الحاج عصام ضهير مؤذن مسجد حمزة بالحارة، وقتلوه هو وولداه محمد وباسل، وكل أفراد الأسرة أصيبوا بجروح جراء سقوط الركام عليهم".
وأضاف: "الحاج عصام عمره 60 عاما، كان قد أذّن الأذان الأول لموعد طعام السحور وذهب لبيته المجاور للمسجد ليتناول السحور مع عائلته، فقصفوا البيت وهو يأكل معهم".
وتابع بصوت حزين مستنكرًا "كان رجلاً طيبًا، يوقظ الناس للسحور ويؤذن المغرب في وقت الفطور... لا يحتاج الاحتلال سببًا كي يقتل المدنيين الأبرياء، فقط هي رغبة بالانتقام والقتل في هذا الشهر الكريم".
وسأل "أين العالم وأين حقوق الإنسان؟".
وأعلنت مصادر طبية، اليوم السبت، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 31553 شهيدا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وأضافت المصادر ذاتها، أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 73546 منذ بدء العدوان، في حين لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.
وأشارت إلى أن قوات الاحتلال ارتكبت 7 مجازر بحق العائلات في القطاع، أسفرت عن استشهاد 63 مواطنا، وإصابة 112 آخرين، خلال الساعات الـ24 ساعة الماضية.